بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
بين النشاط البريء والسلوك المزعج.. كيف نوجه شغب الأطفال بذكاء
- الأسرة المسلمة
- أطفالنا

إبراهيم شعبان

بين النشاط البريء والسلوك المزعج.. كيف نوجه شغب الأطفال بذكاء
في عالم الطفولة الساحر، حيث تتدفق الطاقة بلا حواجز وتنبض الحياة بكل ألوانها، يقف الوالدان أمام ظاهرة الشغب الطفولي بكل ما تحمله من تعقيدات وتحديات. إنها رحلة دقيقة بين الحفاظ على براءة الطفولة وترسيخ قواعد الانضباط، بين إطلاق العنان للخيال الخصب ووضع الحدود الصحية.
وشغب الأطفال ليس مشكلة يجب قمعها، بل هو رسالة تحتاج إلى فك شفرتها. عندما نتعلم قراءة ما وراء هذه السلوكيات، نكتشف أن كل حركة مزعجة قد تخفي موهبة كامنة تنتظر من يكتشفها. ليست التربية كبحاً للطاقة، بل تحويلاً لها من قوة مدمرة إلى طاقة بناءة. كما قال أحد المربين: “الطفل الشقي ليس طفلاً سيئاً، بل هو قائد صغير يتدرب على إدارة طاقته”.
الشغب لغة خاصة يعبر من خلالها الأطفال عن عالمهم الداخلي الغني
تشير الدراسات الحديثة في علم نفس النمو إلى أن شغب الأطفال ليس مجرد سلوك عشوائي، بل هو لغة خاصة يعبرون من خلالها عن عالمهم الداخلي الغني. فذلك الطفل الذي يركض في كل اتجاه، أو يصرخ بأعلى صوته، أو يلقي بالألعاب في كل مكان، إنما يبحث عن ذاته في هذا العالم الواسع، ويختبر حدوده، ويحاول فهم القوانين التي تحكم العلاقات من حوله.
في الصباح الباكر، عندما تشرق الشمس على بيت العائلة، تبدأ معها حركة لا تنتهي من الأسئلة واللعب والاكتشاف. هنا تكمن الحكمة التربوية في فهم أن هذه الطاقة الزائدة ليست عدواً يجب قمعه، بل هي كنز ثمين يحتاج إلى من يوجهه. فبدلاً من الصراخ والعقاب، يمكن تحويل هذه الطاقة إلى فرصة للتعلم والنمو.
تخيلوا معي طفلاً يبلغ من العمر خمس سنوات، تفيض منه الحيوية في كل لحظة. بدلاً من توبيخه على حركته الدائمة، لم لا نمنحه مساحة خاصة “لشغبه المسموح”؟ ربما زاوية في المنزل حيث يمكنه القفز على وسائد مخصصة، أو وقت يومي في الحديقة ليركض كما يشاء. هذه ليست مجرد حلول عملية، بل هي رسالة نفسية عميقة نفهم من خلالها أننا نحترم طبيعته، ونوجهها لا نكبتها.
لكن الأمر لا يخلو من التحديات. ففي بعض الأحيان، يتخطى الشغب حدود البراءة ليصبح سلوكاً مؤذياً أو مقلقاً. هنا يأتي دور الحكمة التربوية في التمييز بين ما هو طبيعي وما هو خارج عن المألوف. عندما يتحول اللعب إلى عنف، أو الفضول إلى تدمير للممتلكات، أو النشاط إلى عدم احترام للآخرين، فإن هذا يحتاج إلى تدخل أكثر حزماً، لكنه يبقى تدخلاً يراعي نفسية الطفل ومرحلته العمرية.
تفريغ الطاقة الإيجابي
في عصرنا الحالي، حيث تقلصت مساحات اللعب الحر وزادت ساعات الجلوس أمام الشاشات، أصبح تفريغ الطاقة الإيجابي تحدياً أكبر. لذلك تبرز أهمية الأنشطة البدنية المنظمة، والألعاب الذهنية المحفزة، والحوار الدائم مع الطفل لفهم دوافعه. فالكثير من السلوكيات التي نصنفها كـ”شغب” قد تكون في الحقيقة صرخة طلباً للاهتمام، أو تعبيراً عن ملل، أو حتى مؤشراً على موهبة كامنة تحتاج إلى من يكتشفها.
ختاماً، فإن تربية الطفل الشقي ليست معركة يجب كسبها، بل هي رحلة تعلم مشتركة. إنها عملية يومية من الحوار الهادئ، والاحتواء العاطفي، والتوجيه الرقيق. عندما نتعلم كيف نستمع إلى لغة الشغب هذه، ونترجمها إلى فرص للنمو، نكون قد قدمنا لأطفالنا أعظم هدية: فهم أنفسهم، وتعلم كيفية توجيه طاقاتهم نحو الإبداع والتميز. فكما قال أحد الحكماء: “الطفل الشقي ليس مشكلة يجب حلّها، بل هو إنسان صغير يتعلم كيف يعيش في عالم كبير”.
- كلمات مفتاحية | الأطفال في الإسلام, الطفل البرىء, تربية الأطفال, توجيه الطفل, شغب الأطفال, لعب الأطفال