بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
الضمير الرقابي
- الأسرة المسلمة
- التربية الإسلامية

إبراهيم شعبان

الضمير الرقابي
تشكل تنمية الضمير الأخلاقي الرقابي عند المسلم، أحد أعمدة التربية الإسلامية، التي لا تكتفي بالضوابط الخارجية أو القوانين المنظمة، بل تُعلي من شأن الرقابة الذاتية المنبثقة من الإيمان بالله ومراقبته في السر والعلن. فالإسلام يهدف إلى تكوين شخصية مؤمنة لا تبتعد عن القيم بمجرد غياب الرقيب، بل تنضبط طوعًا بحضور الله في وعيها وسلوكها.
مفهوم الضمير الأخلاقي في الإسلام
الضمير الأخلاقي الرقابي، هو تلك القوة الداخلية التي تدفع المسلم إلى فعل الخير وترك الشر، نابعًا من إحساسه بمراقبة الله تعالى له في كل زمان ومكان.
وهذا المفهوم يتجلى في حديث النبي:”الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”، مما يُشير إلى تربية الإحساس الدائم برقابة الله، وهي أعلى درجات الإيمان والسلوك.
وتؤكد التربية الإسلامية أن الرقابة الذاتية أقوى من الرقابة الخارجية، لأن الإنسان قد يخدع القانون أو يتجاوز الأنظمة، لكنه لا يستطيع خداع الله أو إسكات صوته الداخلي. ومن هنا، تتوجه التربية الإسلامية إلى غرس الوازع الإيماني في النفس منذ الصغر، ليصبح الضمير مرشدًا دائمًا، لا ينفك عن قرارات الإنسان وسلوكياته.
ويُعد هذا الضمير حصنًا يحمي الفرد من الانحراف حتى في أوقات الخلوة، ويشكل سياجًا أخلاقيًا يمنع التلاعب والفساد، ويعزز الأمانة والنزاهة.
أساليب تكوين الضمير في المنهج الإسلامي
تسلك التربية الإسلامية عدة وسائل لتكوين الضمير الأخلاقي الرقابي، منها:
تعميق الإيمان بالله وصفاته، خصوصًا صفة الإحاطة والعلم بكل شيء.
التنشئة على مراقبة النفس والتفكر في الجزاء الأخروي.
القدوة الصالحة التي تعزز القيم بالسلوك لا بالكلام فقط.
الربط بين العمل والجزاء، في الدنيا والآخرة، بشكل تربوي متوازن.
التدرج في تحميل المسؤولية، بحيث يُدرب الناشئ على اتخاذ القرار ومحاسبة الذات.
أثر الضمير في ضبط المجتمع وبناء الثقة
وعندما يُبنى الضمير الرقابي لدى الأفراد، فإن أثره يتجاوز السلوك الفردي إلى المجتمع كله، حيث يُسهم في تقليل الحاجة للتشديد القانوني والرقابي، وتعزيز الأمانة في المعاملات، سواء في الوظيفة أو التجارة أو العلاقات. وبناء الثقة العامة بين الناس، مما ينعكس على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
ويقدم القرآن الكريم نماذج رفيعة لتربية الضمير، كما في قصة يوسف عليه السلام الذي قال في وجه الفتنة:
“معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون”، رغم غياب الرقابة الخارجية.
وفي السنة النبوية، نجد تربية النبي ﷺ لأصحابه قائمة على تقوية وازع الإيمان، لا على التخويف أو الزجر وحده، كما قال:”استفت قلبك، وإن أفتاك الناس وأفتوك”.
وهكذا.. يبقى تكوين الضمير الأخلاقي الرقابي من أهم مقاصد التربية الإسلامية، لأنه يُخرج إنسانًا واعيًا، صادقًا، نزيهًا، يحاسب نفسه قبل أن يُحاسب، ويعمل الخير حبًا لله لا خوفًا من العقاب. وفي زمنٍ تتراجع فيه الرقابة الخارجية، يصبح بناء هذا الضمير واجبًا تربويًا وأخلاقيًا، يُحقق للفرد الطمأنينة، وللمجتمع الانضباط، وللأمة نهضة قائمة على الإيمان والسلوك الراشد.
- كلمات مفتاحية | التربية الإسلامية, الضمير, الضمير الإسلامي