بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

وأنت يا أبا عمر ممن يُشنع علينا
شهدت إحدى معارك المسلمين مع الروم موقفًا مؤثرًا بطلُه عبد الله بن المبارك، أحد أعلام التابعين، الذي جسّد أسمى صور الإخلاص والنية الصادقة في الجهاد، حين أخفى هويته بعد قتل مقاتلٍ من العدو تفوّق على عدد من المسلمين في ساحة المعركة.
مبارزات دامية بين المسلمين والروم
ففي إحدى غزوات المسلمين ضد الروم، خرج عِلجٌ من صفوف العدو، متحديًا المسلمين في مبارزة فردية. وقف المقاتل الرومي وسط الصفوف، يجول بتحدٍّ واضح، فخرج له أحد المسلمين لمبارزته، لكن العدو تمكّن من قتله. لم يتوقف التحدي عند هذا الحد، فقد خرج رجل ثانٍ من المسلمين، فلقي المصير ذاته، ثم ثالث فقتل أيضًا على يد ذلك العلج.
ظهور بطل مسلم يُنهي سلسلة الهزائم
في ظل هذه اللحظات العصيبة، خرج رجل مسلم رابع لم يعلن عن اسمه، وواجه المقاتل الرومي ببسالة. لم تمرّ دقائق حتى تمكّن هذا المجاهد المجهول من قتل العدو، واضعًا بذلك حدًا لسلسلة الخسائر الفردية التي مُني بها المسلمون في تلك اللحظة.
عبد الله بن المبارك يخفي وجهه عن الناس
وبعد أن سقط العدو صريعًا، اجتمع الناس حول المجاهد الشجاع لمعرفة هويته، لكنه كان حريصًا على إخفاء وجهه بكمِّ ثوبه، حتى لا يتعرف عليه أحد. هذا المشهد أثار فضول الجميع، حتى تقدم رجل يُدعى أبو عمر، فقام برفع كمّه عن وجهه، ليتضح أن هذا البطل لم يكن سوى عبد الله بن المبارك.
وما إن كشف أبو عمر عن وجه عبد الله بن المبارك حتى قال له الأخير بنبرة عتاب: “وأنت يا أبا عمر ممن يُشنع علينا؟”. كانت هذه العبارة تعبيرًا صادقًا من ابن المبارك عن استنكاره لإفشاء سرّه، حيث كان يريد أن يبقى فعله خالصًا لله تعالى دون أن يعرفه أحد.
الإخلاص جوهر العمل عند الصالحين
والواقعة تكشف عن عمق الإخلاص في قلب عبد الله بن المبارك، الذي لم يكن يطلب من عمله مدحًا ولا تقديرًا من أحد. كان همّه الأول هو رضا الله وحده، ولم يرغب في أن يُعرف بين الناس كبطل أو مجاهد، رغم أن ما قام به كان بطوليًا بكل المقاييس.
وتحمل هذه القصة معاني عظيمة في تربية النفس على الإخلاص، والبعد عن طلب السمعة أو الرياء. فحتى في ميدان القتال، حيث تتعلق الأنظار بالأبطال، فقد اختار عبد الله بن المبارك أن يخفي عمله ليبقى خالصًا لله. ويُعد هذا الموقف من أبرز الدروس التربوية في تاريخ المسلمين، حيث تتجلى القيم الإسلامية في أسمى معانيها.
ويبقى عبد الله بن المبارك نموذجًا خالدًا في تاريخ الإسلام، يُستلهم منه معنى الصدق في النية، والإخلاص في العمل. وموقفه في هذه الحادثة يقدم رسالة خالدة لكل الأجيال: أن البطولة الحقيقية لا تحتاج إلى تصفيق، بل إلى نية صافية ترجو بها وجه الله وحده.
روابط وكلمات مفتاحية
- كلمات مفتاحية | أعلام التابعين, أعلام السنة, الجهاد, الجهاد في الإسلام, الفرس والروم, عبد الله بن المبارك, غزوات المسلمين