بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

“ما جعل الله لرجلٍ من قلبين في جوفه”
عندما حارب القرآن المفاهيم المغلوطة
نزلت آيات من سورة الأحزاب، لتُصحّح مفاهيم مغلوطة كانت سائدة في الجاهلية، سواء في الاعتقادات الشخصية أو في العلاقات الأسرية والاجتماعية، ومنها الآية الكريمة:” مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ”.
والتي حملت توجيهًا إلهيًا واضحًا ببطلان تلك المفاهيم، وتثبيتًا للحقائق الشرعية، فما سبب نزول هذه الآية؟ ومن الأشخاص الذين نزلت فيهم؟
وتشير المصادر أن الجزء الأول من الآية:”مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ”، قد نزل في رجل من قريش يُدعى جميل بن معمر الفهري، وكان يُعرف بفطنته وذكائه، وكان كثير التفاخر بحسن حفظه، حتى إنه قال ذات يوم: “إن لي قلبين أعقل بهما أفضل من عقل محمد”.
فنزلت هذه الآية لتُبطل مزاعمه وتؤكد الحقيقة الفطرية التي لا تقبل الجدل، وهي أن الإنسان لا يمكن أن يكون له إلا قلب واحد، وأن التفوق العقلي أو الحفظ ليس مبررًا للتعالي أو إنكار النبوة.
رد على منافقي المدينة: لا قلبين للنبي
ورُوي كذلك أن بعض منافقي المدينة ادعوا أن للنبي محمد صلى الله عليه وسلم قلبين: قلبًا مع المؤمنين، وآخر مع الكافرين. فجاءت هذه الآية تكذيبًا لهم، وإثباتًا لوحدة قلب الإنسان، في إشارة رمزية على وحدة الولاء والموقف، وأن النبي لا يتناقض في دعوته ولا يجمع بين ولاءين.
“وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم”
وتُكمل الآية بتصحيح مفهوم آخر سائد في الجاهلية، وهو الظهار، حين يقول الرجل لزوجته: “أنتِ عليّ كظهر أمي”، وكان يُعد طلاقًا عندهم.
فجاءت الآية:”وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ”، لتؤكد أن الزوجات لا يصبحن أمهات بهذا القول، وتُبيّن أن هذا مجرد قول باطل يصدر من الألسنة، لا يغيّر من الحقيقة الشرعية شيئًا، كما قال الله:”ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ”.