بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

زراعة الأجنة والتلقيح الصناعي
مع تطور العلوم الطبية، وخاصة في مجالات الإخصاب الصناعي وزراعة الأجنة، أصبحت الساحة الفقهية أمام تحديات جديدة تتطلب اجتهادًا دقيقًا. ويعد التلقيح الصناعي أحد أكثر القضايا المعاصرة التي أثارت الجدل الفقهي، نتيجة تداخلها مع قضايا النسب، والعِرض، والخصوصية، وحق الإنجاب.
ويقصد بـ التلقيح الصناعي عملية تلقيح البويضة بالحيوان المنوي خارج الرحم في بيئة مخبرية، ثم نقل الجنين إلى رحم الزوجة، بهدف تحقيق الحمل في حالات العقم أو ضعف الخصوبة. أما زراعة الأجنة فهي عملية وضع الجنين الملقح صناعيًا في رحم المرأة ليبدأ نموه الطبيعي.
ورغم نجاح هذه التقنية طبيًا، إلا أن قبولها الفقهي يتطلب دراسة دقيقة لضمان التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية، خاصة في ما يتعلق بثبوت النسب ومنع اختلاط الأنساب.
الاتفاق على الجواز بضوابط شرعية
اتفقت المجامع الفقهية الكبرى، مثل مجمع الفقه الإسلامي الدولي وهيئة كبار العلماء في السعودية، على جواز التلقيح الصناعي وزراعة الأجنة، بشرط أن يتم بين زوجين في إطار العلاقة الزوجية الشرعية، وألا يُستخدم حيوان منوي أو بويضة من طرف ثالث. كما اشترط الفقهاء أن تتم العملية أثناء قيام عقد الزواج، وأن لا يتم استخدام الأجنة المجمدة بعد الطلاق أو الوفاة، حفاظًا على حرمة النسب وصحة العلاقة الشرعية.
الاختلاف في بعض الصور المستحدثة
ورغم هذا الاتفاق العام، ظهرت اختلافات فقهية حول بعض صور التلقيح الصناعي المعقدة، من أبرزها:
استئجار الأرحام: حيث يتم وضع الجنين في رحم امرأة أخرى غير الأم البيولوجية. وقد أجمعت الهيئات الفقهية على تحريمها لما فيها من اختلاط الأنساب وانتهاك لكرامة المرأة.
التبرع بالبويضات أو الحيوانات المنوية: وقد أُجمع كذلك على تحريمه لأنه يُدخل طرفًا أجنبيًا في عملية الخلق، ما يؤدي إلى فساد الأنساب وخلل في الهوية الجينية.
تجميد الأجنة: وهي من القضايا التي شهدت نقاشًا فقهيًا واسعًا، حيث أجازها البعض بشرط حفظ الأجنة وعدم خلطها، وعدم استخدامها بعد انتهاء العلاقة الزوجية، بينما تحفظ آخرون بسبب صعوبة ضبط الضوابط عمليًا.
دوافع الجواز الفقهي وأدلته
وقد استند القائلون بجواز التلقيح الصناعي إلى عدد من القواعد الفقهية، منها:
قاعدة “الضرر يزال”، إذ يُعد العقم من الأضرار التي يمكن رفعها بهذه الوسائل.
وقاعدة “الحاجات تنزل منزلة الضرورات”، خاصة مع تزايد حالات العقم في المجتمعات.
كما استندوا إلى المقاصد الشرعية التي تدعو إلى حفظ النسل، وتحقيق مصلحة الزوجين في الإنجاب ضمن إطار شرعي.
وشدد الفقهاء على أهمية وجود رقابة طبية صارمة تضمن عدم التلاعب بالأجنة أو خلطها، مع ضرورة توثيق كل عملية تحت إشراف طبي موثوق. كما دعت الهيئات الشرعية إلى صياغة لوائح قانونية واضحة تنظم هذه العمليات في المستشفيات والمراكز الطبية، بما يضمن توافقها مع الضوابط الشرعية.
ويمثل موضوع زراعة الأجنة والتلقيح الصناعي نموذجًا واضحًا لقدرة الفقه الإسلامي على مواكبة المستجدات الطبية المعاصرة، دون الإخلال بالضوابط الشرعية.
روابط وكلمات مفتاحية
- كلمات مفتاحية | التلقيح الصناعي, الفقه الإسلامي, زراعة الأجنة, فقهاء وآراء, قضايا فقهية