بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
ذكر الموت في القرآن.. تأخير الفاعل لحكمة بلاغية

ذكر الموت في القرآن.. تأخير الفاعل لحكمة بلاغية
يتميّز القرآن الكريم بدقة تعبيره وروعة نظمه، حيث لا تأتي الكلمة عبثًا، ولا يُقدّم أو يُؤخّر لفظ إلا لحكمة بلاغية وعقدية عميقة.
ومن بين هذه اللطائف القرآنية الملفتة، تلك المتعلقة بكيفية ذكر الموت في القرآن الكريم، لا سيما حين يأتي فاعلًا في الجملة، إذ نلاحظ أنه يأتي دومًا مؤخرًا عن فعله، في جميع المواضع تقريبًا، وهو ما يحمل دلالات بديعة تستحق التأمل.
دقة تعبير القرآن عن الموت.. بلاغة تتجاوز اللغة
ومن اللطائف البلاغية الملفتة في القرآن الكريم، أن لفظ “الموت” عندما يأتي فاعلًا، يُؤخّر دائمًا عن فعله، في جميع المواضع تقريبًا، وهو ما لاحظه عدد من المفسرين وأهل البلاغة.
فلا يقول القرآن: “يدرككم الموتُ أينما تكونوا”، بل:
“أينما تكونوا يُدرِككم الموتُ”
ولا يقول: “الموت حضر”، بل:
“إذا حضر أحدَكم الموتُ”
لماذا جاء الموت فاعلًا مؤخّرًا دائمًا
هذا الترتيب ليس عبثيًا، بل يحمل لطيفة بلاغية ومعنوية عظيمة، وهي أن الموت هو آخر ما يصيب الإنسان في حياته، فناسب أن يُذكر في نهاية الجملة حين يكون فاعلًا، ليُحاكي موقعه الزمني والمعنوي في حياة البشر.
فتأخير ذكر “الموت” يعكس حقيقته كخاتمة، وأنه لا يأتي في وسط الأحداث، بل في نهايتها.
وفي تأخير لفظ الموت أيضًا إشارة ضمنية إلى عدم الاستعجال به أو التهوين من شأنه، فالموت ليس أمرًا سهلًا، بل هو حدث جليل، يُذكر متأخرًا لأنه يقع بعد رحلة طويلة من الحياة، والعمل، والاختبار. فجاءت الصياغة القرآنية متمهّلة في ذكره، احترامًا لرهبته، وتمجيدًا لمكانته كخاتمة لا مردّ لها.
أمثلة قرآنية قوله: “فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ”. الحديث عن القتل والموت في هذه الآيات يأتي بلغة تفصيلية دقيقة لا تقدم الموت، بل تجعله لاحقًا دائمًا. وقوله:”قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم”.
رغم كونه هو الفاعل، لم يُذكر في موقع البداية، بل جاء بعد تفصيل الفعل “تفرّون”، للدلالة على حتميته وتأخُّره الزمني.
وهذه اللمحة البلاغية تبرز إعجاز القرآن في اختيار الألفاظ وتقديمها وتأخيرها، حيث تتناغم اللغة مع المعنى العقائدي والنفسي والسياقي، فيكون ترتيب الكلمات معبرًا عن الحقائق الكونية والشرعية في آن واحد.
روابط وكلمات مفتاحية
- كلمات مفتاحية | آيات القرآن الكريم, الموت في القرآن الكريم, الموت والحياة, تدبر القرآن, عبرة الموت