بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

حديث القرآن عن النكاح.. إشارات بلاغية راقية
تميّز القرآن الكريم، بأسلوب فريد في الحديث عن النكاح والزواج، يجمع بين الرفق والبيان، وبين التشريع والرحمة، مما يعكس عظمة هذا الدين في تناوله لأدق العلاقات الإنسانية.
فالنكاح في القرآن ليس مجرد علاقة جسدية أو عقد مدني، بل هو ميثاق غليظ، ومصدر سكينة، ومنطلق للتراحم والتكامل بين الزوجين.
ومن أبرز لطائف القرآن في الحديث عن النكاح قوله تعالى:”وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا، وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً” الروم: 21.
المودة والرحمة هما المعاملة الحسنة والعطاء
وتتجلى في هذه الآية اللطائف البلاغية والمعاني النفسية، حيث عبّر بـ “تسكنوا إليها” ولم يقل “تسكنوا معها”، للدلالة على الاندماج العاطفي والروحي العميق.
قدّم السكينة على المودة والرحمة، لأن الاستقرار النفسي مقدم على المشاعر المتبادلة.
لم يذكر الحب، بل المودة والرحمة، لأنهما أدوم وأشمل، فالمودة هي المعاملة الحسنة، والرحمة هي العطاء عند الحاجة، وبهما يستمر الزواج.
لفظ “النكاح”، الذي يدل على العقد الشرعي الكريم
ومن اللطائف الدقيقة أن القرآن لا يستخدم لفظ “الزنا” إلا في سياق الذم والتحذير، بينما يُعبّر عن العلاقة المشروعة بلفظ “النكاح”، الذي يدل على العقد الشرعي الكريم، كما في قوله تعالى:”فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ” .النساء: 3.
ويُلاحظ أن هذا اللفظ يحمل معاني الطهر والخصوصية والاحترام، مما يُرسّخ في الوجدان أن العلاقة الزوجية شرفٌ وسُكنى، لا مجرد رغبة أو شهوة.
ومن أرقى تعبيرات القرآن عن النكاح قوله تعالى في وصف العلاقة الزوجية:” وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا”. النساء: 21.
وقد وصف الله به أيضًا ميثاق النبوة والرسالة، ما يدل على عِظَم هذا العهد بين الرجل والمرأة، وأنه ليس علاقة مؤقتة أو سهلة النقض، بل عهد تحكمه القيم والمسؤوليات. ويُشعر هذا التعبير الزوجين بأن العلاقة بينهما تقوم على التزام شرعي وأخلاقي، لا على مصالح وقتية أو نزوات عابرة.
دقة اللفط تؤسس لفهم سليم للعلاقات وفق ما شرعه الله
من اللطائف اللغوية أن القرآن استعمل لفظ “النكاح” وليس “الزواج”، لأن النكاح في اللغة يشمل العقد والدخول معًا، بينما الزواج قد يطلق على مجرد الاقتران أو العقد. فاختيار لفظ النكاح يؤكد أن القرآن يعتني بضبط المفاهيم الشرعية واللغوية بدقة، ويغرس في المسلم فهمًا سليمًا للعلاقات وفق ما شرعه الله.
إن الحديث عن النكاح في القرآن الكريم، يعكس عمق الرسالة الإسلامية في بناء الأسرة والمجتمع، ويكشف عن بلاغة لغوية ومعنوية تُربي النفس على الطهر والاحترام والسكينة. وبينما يعالج القرآن قضايا الزواج بجمال التعبير ورفق المعاني، يُقدّم نموذجًا ربانيًا يُحتذى في التشريع، والتوجيه، وبناء العلاقات على أسس الرحمة والعهد والمسؤولية.
روابط وكلمات مفتاحية
- كلمات مفتاحية | الزواج في الإسلام, النكاح, حكمة الزواج, شروط الزواج في الإسلام