بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

تطور فن الخطابة عبر العصور
شهد فن الخطابة عبر العصور تطورًا هائلًا، تأثر بالتغيرات الاجتماعية والثقافية والتكنولوجية، حتى أصبح في العصر الحديث أحد أقوى أدوات التأثير والإقناع، ليس فقط في المجتمعات المحلية، بل على مستوى العالم بأسره.
ومن هنا، يبرز التساؤل: كيف اختلف فن الخطابة قديمًا وحديثًا؟ وما العوامل التي شكلت هذا التحول الجذري في أسلوب وأدوات الخطاب؟
وفي العصور القديمة، كانت الخطابة فنًا يقوم أساسًا على الكلمة المنطوقة المباشرة، وكانت تُلقى في الأسواق، أو في المجالس، أو في المساجد، حيث يعتمد الخطيب على قوة صوته، وجمال لغته، وفصاحة لسانه. وكانت الخطبة تزدان بالسجع، والمحسنات البديعية، والاستشهاد بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وأبيات الشعر العربي، التي تضفي على الخطاب وقارًا وجمالًا.
ولم يكن الهدف من الخطابة آنذاك مجرد الإخبار أو النصح، بل كانت أداة سياسية واجتماعية ودينية في آنٍ واحد، تحث على القتال أو الصلح، وتدعم القبائل والحكام، وتنشر الفضائل والقيم الأخلاقية والدينية. أما الجمهور، فكان حاضرًا متفاعلًا، يتأثر نبرةً وانفعالًا، وهو ما كان يمنح الخطيب فرصة للتأثير اللحظي القوي.
الخطابة الحديثة.. تنوع الوسائل وتجدد الأساليب
ومع تطور العصور ودخول التكنولوجيا على خط التواصل الإنساني، انتقلت الخطابة من كونها فنًا صوتيًا مباشرًا إلى خطاب متعدد الوسائط. فاليوم، يمكن أن تجد الخطبة في التلفاز، أو في الإذاعة، أو على منصات التواصل الاجتماعي، أو ضمن فيديو قصير على يوتيوب أو إنستغرام أو حتى تيك توك. ولم يعد الخطيب مقيدًا بجمهور أمامه، بل يخاطب جمهورًا افتراضيًا قد يبلغ الملايين حول العالم. وتغير المحتوى أيضًا، حيث أصبحت الخطبة أكثر بساطة، ومرتبطة بواقع الناس، وتستند إلى أمثلة حديثة، وإحصائيات، وقصص حقيقية. فلم تعد البلاغة هدفًا بحد ذاتها، بل وسيلة لتوضيح الفكرة وإقناع المتلقي. كما أصبح الخطاب يهتم بالتنمية البشرية، والتحفيز، والتوجيه الاجتماعي، أكثر من الحماسة الخطابية التقليدية.
وفي ظل هذا التحول، صار على الخطيب أن يجذب انتباه المستمع خلال أول عشر ثوانٍ فقط، وإلا سيخسر جمهوره سريعًا، خاصة في بيئة رقمية تسمح بالانتقال من محتوى لآخر بلمسة واحدة.
وفن الخطابة لم يفقد قيمته مع مرور الزمن، بل زادت أهميته وتعقدت أدواته، وأصبح أكثر تطلبًا من الخطيب من حيث الإعداد، والقدرة على التأثير، وفهم طبيعة الجمهور الجديد.
وإن كان الماضي قد حفظ لنا أسماء خطباء خالدين ببلاغتهم وفصاحتهم، فإن الحاضر يتطلب خطباء يجمعون بين الإتقان اللغوي، والفكر المعاصر، والوعي بوسائل الاتصال الحديثة، ليظل الخطاب مؤثرًا وفعّالًا في زمن السرعة والتغيير.
روابط وكلمات مفتاحية
- كلمات مفتاحية | آداء الخطيب, أركان الخطبة, الخطبة, تطور فن الخطابة, فن الخطابة