بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
تجديد الوعي.. بين فقه المواطنة وقيم العيش المشترك

تجديد الوعي.. بين فقه المواطنة وقيم العيش المشترك
تشهد المجتمعات الحديثة تصاعدا متناميا للتحديات الفكرية والاجتماعية، تبرز الحاجة الملحة إلى خطاب ديني رشيد يدرك أهمية فقه المواطنة، ويُعلي من قيمة العيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد، بمختلف أديانهم وأعراقهم واتجاهاتهم.
فالدين في جوهره ليس عامل تفرقة أو انقسام، بل مصدر للقيم التي تدعو للتسامح والعدل والاحترام المتبادل. لكن المشكلة تكمن في بعض الخطابات الدينية الجامدة أو المتطرفة التي تتجاهل فقه الواقع، وتكرّس الانغلاق والتمايز بين الناس بدلًا من دعم أسس التعددية والمواطنة الجامعة.
فقه المواطنة في الإسلام.. تأصيل لا تمييز
المواطنة في التصور الإسلامي تقوم على العدالة، والحقوق، والتكافل، وحفظ الكرامة، وهي لا تتناقض مع الانتماء الديني، بل تعززه.
فالنبي أسس في المدينة أول وثيقة مدنية تُعرف بـ “صحيفة المدينة”، أقرت بمبدأ الوطن المشترك بين المسلمين واليهود والمشركين، واعتبرت الجميع “أمة واحدة من دون الناس”، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم.
وهذا الفهم يُسقط كل مزاعم التعارض بين الإسلام والمواطنة، ويؤكد أن الدين يدعو إلى احترام الآخر والتعايش السلمي.
الخطاب الديني وتحديات العصر
يعاني الخطاب الديني في بعض سياقاته من عدة مشكلات:
الجمود وعدم مواكبة التحولات الاجتماعية والسياسية.
هيمنة التفسيرات الإقصائية التي تصنّف الناس حسب عقائدهم لا حسب التزاماتهم الوطنية.
غياب التوازن بين الولاء للدين والانتماء للوطن.
وفي حين أن المطلوب هو خطاب ديني متنور، يُوازن بين الهوية الدينية والانتماء الوطني، ويعترف بأن التعددية جزء من سنة الله في خلقه.
العيش المشترك.. قيمة دينية وإنسانية
العيش المشترك لا يعني الذوبان أو التخلي عن الثوابت، بل يعني:
الاعتراف بالاختلاف كحقيقة إنسانية، وركيزة للتنوع والتكامل.
التعاون على القيم المشتركة كالعدل، والرحمة، وخدمة الصالح العام.
احترام الحقوق والواجبات دون تمييز على أساس ديني أو عرقي.
وقد قال الله تعالى:”لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ” .الكافرون: 6.
“وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا” .الحجرات: 13.
فالعيش المشترك ليس خيارًا سياسيًا فقط، بل واجب شرعي ومجتمعي.
تجديد الخطاب الديني لصالح الوطن
لتعزيز فقه المواطنة، يجب على الخطاب الديني أن:
يتجاوز النظرة الطائفية والتمييزية التي تحصر الولاء في إطار ديني ضيق.
يؤكد أن الوطن حق مشترك لكل أبنائه، وأن الدفاع عنه واجب على الجميع.
يُرسّخ أن الانتماء الوطني لا يتعارض مع الانتماء الديني، بل يكمّله.
ويجب أن يكون العلماء والدعاة شركاء في ترسيخ خطاب يجمع ولا يفرق، ويبني جسور الثقة بين المواطنين، لا أسوار الكراهية أو الإقصاء.
الخطاب الديني المستنير، هو الذي يُعلي من فقه المواطنة، ويعزز قيم العيش المشترك، ويُسهم في بناء مجتمع متماسك يقوم على التعددية والتكافل والتعاون.
وفي عالم يعج بالصراعات والتجاذبات، تبقى الرسالة الدينية الحقيقية هي تلك التي تحرر الإنسان من الكراهية، وتغرس فيه حبّ الخير للجميع، وإرادة العمل من أجل وطن يحتضن الجميع بلا تمييز.
روابط وكلمات مفتاحية
- كلمات مفتاحية | العيش المشترك, تجديد الخطاب الديني, تطور الخطاب الديني, قيم المواطنة