بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

اليقين لا يزول بالشك
في إطار القواعد الفقهية التي أسّست لمنهج الاستنباط وضبط الأحكام، تأتي قاعدة “اليقين لا يزول بالشك” كواحدة من أبرز القواعد الأصولية التي اتفق عليها علماء الشريعة.
وتفرعت عنها قاعدة شهيرة أخرى وهي “الأصل براءة الذمة”، ما جعلها مرجعًا مهمًا في التعامل مع حالات الشك والوسواس في حياة المسلم.
معنى قاعدة “اليقين لا يزول بالشك”
تعني هذه القاعدة أن ما ثبت بيقين لا يمكن إبطاله أو تغييره بمجرد شك طارئ. فإذا تيقن الإنسان من أمر ما، ثم طرأ عليه شك في تغيّره، فإن هذا الشك لا يُؤثّر شرعًا، ويُبنى الحكم على اليقين السابق.
ويُعد هذا الأصل قاعدة كبرى تُستعمل في العبادات والمعاملات، وقد نص العلماء على أنها مستمدة من نصوص عديدة في السنة النبوية، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه: أخرج منه شيء أم لا، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا”.
الأصل براءة الذمة
من القواعد التي تتفرع عن قاعدة اليقين، قاعدة “الأصل براءة الذمة”، والتي تعني أن الإنسان غير مُطالَب بأي حق أو واجب حتى يثبت خلاف ذلك بدليل شرعي. وبالتالي، فإن مجرد الشك في وجود التزام أو دين لا يُوجب على الشخص أن يتحمّله حتى يثبت بالدليل.
ويُستعمل هذا الأصل في كثير من القضايا، كأن يُدّعى على شخص بأنه مدين بمبلغ مالي، دون وجود إثبات، فالأصل أنه غير مديون حتى يثبت العكس.
وأحد أبرز التطبيقات الواقعية لهذه القاعدة يتمثل في الوقاية من الوساوس التي تصيب بعض الناس في عباداتهم، كمن يشك في عدد ركعات الصلاة أو في صحة وضوئه. فبناءً على هذه القاعدة، يُقال للموسوس: لا تلتفت إلى الشك ما دام هناك يقين سابق.
وهذا التوجيه يُخفّف من المعاناة النفسية لدى بعض المصلين، ويمنحهم راحةً وطمأنينةً عند أداء عباداتهم، ويُسهّل عليهم الالتزام الديني دون تعقيد.
وتُستخدم هذه القاعدة أيضًا في القضاء الشرعي، حيث يُبنى الحكم على ما هو متيقن، ويُترك ما هو مشكوك فيه، سواء في النزاعات المالية أو في مسائل الحدود أو النكاح أو غيرها. وهذا يحقق مبدأ العدالة، ويمنع الحكم على الناس بالظن، وفي المعاملات اليومية، مثل البيوع والعقود، فإن الشك في وجود الخلل أو الفساد في العقد لا يُفسده ما لم يوجد دليل قطعي على ذلك. فالأصل صحة العقد، والأصل براءة الذمة من الغش والاحتيال حتى يثبت العكس.
وتُعد قاعدة “اليقين لا يزول بالشك” من الدعائم الفقهية التي تُحافظ على استقرار حياة المسلم، وتُغلق باب الوساوس، وتُرسّخ مبدأ العدل والطمأنينة. أما فرعها “الأصل براءة الذمة”، فهو ضمانٌ لعدم تحميل الإنسان ما لا دليل عليه. وهكذا تُظهر هذه القواعد حكمة الشريعة في تنظيم حياة الإنسان وضبطها على ميزان اليقين والعدل.
روابط وكلمات مفتاحية
- كلمات مفتاحية | اليقين لا يزول بالشك, قاعدة فقهية, قواعد فقهية