بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

“الميسور لا يسقط بالمعسور”
قاعدة فقهية تؤكد على مرونة الفقه الإسلامي في مواجهة المشقة
تمثل قاعدة “الميسور لا يسقط بالمعسور” إحدى القواعد الفقهية الكبرى التي تُبرز توازن الفقه الإسلامي بين التكليف والتيسير، وتؤكد أن الشريعة قائمة على رفع الحرج دون تعطيل للأحكام.
وتعني هذه القاعدة أن المسلم إذا عجز عن تنفيذ بعض أجزاء العبادة أو العمل بسبب عذر، فإنه يجب عليه أداء ما يستطيع منه، ولا يُعفى عن الميسور بسبب تعذر المعسور.
معنى قاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور
تعني القاعدة، أن الجزء الميسور من العبادة أو الواجب الشرعي يبقى لازمًا على المكلف، حتى لو تعذر عليه أداء الجزء الآخر.
فالشريعة تُحمّل الإنسان بما يستطيع، ولا تسقط عنه جميع التكاليف بسبب عجزه عن البعض، تطبيقًا لقوله تعالى:”فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ” التغابن: 16. وقد أجمع الفقهاء على أن التكليف الشرعي لا يرتفع إلا إذا استحال أداؤه، أما إذا أمكن أداء بعضه، فالواجب أداؤه.
تطبيقات القاعدة في العبادات
تتجلى هذه القاعدة في كثير من أبواب الفقه الإسلامي، وخاصة في باب العبادات، حيث تظهر رحمة الشريعة دون أن تعطل الواجبات:
الصلاة: من عجز عن القيام، صلى قاعدًا، ومن لم يستطع القعود صلى مستلقيًا، لكن لا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله حاضرًا.
الوضوء: من لم يجد الماء إلا لكفٍّ أو يدٍ، استعمله فيما قدر عليه، ويتمم الباقي بالتيمم.
الصوم: من عجز عن صيام يوم بعينه بسبب المرض، أفطر وأكمل باقي الشهر، ولا يسقط عنه صيام الأيام التي يستطيعها.
تطبيقات القاعدة في المعاملات والعقود
لا تقتصر القاعدة على العبادات، بل تشمل أيضًا المعاملات المالية وغيرها من العقود:
من اشترى سلعة بشرط توصيلها إلى منزله، فتعذر النقل بسبب قوة قاهرة، فإن المشتري يظل ملزمًا بدفع الثمن، ويُسقط فقط شرط التوصيل.
في الزواج، إذا تعذر أحد شروط العقد أو الالتزامات، كالوليمة أو المهر المؤجل، لا يُفسخ العقد، بل يُنفذ ما أمكن منه.
وقد يخلط البعض بين هذه القاعدة وقاعدة “الضرورات تبيح المحظورات”، لكن هناك فرق جوهري:
“الضرورات تبيح المحظورات” تُعطي رخصة استثنائية عند الضرورة لكسر بعض الأحكام. أما قاعدة “الميسور لا يسقط بالمعسور” فهي تحافظ على أصل التكليف، وتُبقي على الجزء الممكن دون إسقاطه. فالأولى مبنية على الرخصة، والثانية على الاستبقاء والإلزام الجزئي.
دلالات القاعدة على رحمة الشريعة
تعكس هذه القاعدة المرونة الفقهية التي تمتاز بها الشريعة الإسلامية، حيث تجمع بين العدل والرحمة، وبين الواقعية والتكليف. فهي تمنع التسيّب أو التهاون في الواجبات، وفي الوقت نفسه تراعي أحوال الناس وظروفهم، وتجعل الدين صالحًا لكل زمان ومكان.
ويشير علماء الشريعة إلى أن هذه القاعدة تعزز فقه الأولويات، وتساعد في تنظيم الفتوى، خاصة في المجتمعات التي تواجه ظروفًا صحية أو اقتصادية خاصة، كما في حالات الإعاقة أو الكوارث.
وتمثل قاعدة “الميسور لا يسقط بالمعسور” إحدى الركائز الأساسية لفهم الشريعة الإسلامية باعتبارها شريعة عملية تراعي الطاقة البشرية دون أن تفرط في الأحكام. ومن خلال تطبيقها، تتحقق مقاصد الشريعة في التيسير والرحمة، مع الحفاظ على روح الالتزام والانضباط، لتظل أحكام الإسلام صالحة لكل زمان ومكان دون مشقة أو تعطيل.
روابط وكلمات مفتاحية
- كلمات مفتاحية | الفقه الإسلامي, الميسور لا يسقط بالمعسور, قواعد الفقه, قواعد فقهية