بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
الفقه المقارن.. أداة لفهم الخلاف وتوسيع أفق الاجتهاد

الفقه المقارن.. أداة لفهم الخلاف وتوسيع أفق الاجتهاد
يشكّل الفقه المقارن أحد أبرز مجالات الدراسات الشرعية في العصر الحديث، لما له من دور محوري في فهم الاختلاف بين المذاهب الفقهية، وتحقيق التوازن بين الأصالة والتجديد في الأحكام الشرعية.
ويُعد هذا العلم وسيلة فعالة لتدريب الفقهاء على التحليل والموازنة بين الآراء، واختيار الرأي الراجح وفق الدليل، بعيدًا عن التعصب أو الجمود المذهبي.
مفهوم الفقه المقارن ومجالاته
الفقه المقارن، هو دراسة الأحكام الشرعية كما وردت في المذاهب المختلفة، مع عرض أدلتها ومناقشتها، بهدف الترجيح أو بيان مواطن الاتفاق والخلاف.
ولا يقتصر هذا العلم على أربعة مذاهب فقهية فقط (الحنفي، المالكي، الشافعي، والحنبلي)، بل يمتد إلى آراء الظاهرية، والإمامية، والمجتهدين من الصحابة والتابعين، مع مراعاة أدلتهم وظروف اجتهادهم.
يُستخدم الفقه المقارن في مجالات كثيرة مثل:
البحوث الأكاديمية الفقهية
إعداد الفتاوى العامة المعاصرة
صياغة قوانين الأحوال الشخصية والمعاملات
الفقه الطبي والاقتصادي المعاصر
أهمية الفقه المقارن في العصر الحديث
تتزايد الحاجة إلى الفقه المقارن في زمن تتعدد فيه النوازل، وتكثر فيه الأسئلة المعقدة، التي لا يمكن الاكتفاء فيها برأي مذهب واحد أو فتوى جزئية.
من أبرز فوائد دراسة الفقه المقارن:
فهم أسباب الخلاف الفقهي وتقديره، بدلًا من الانشغال بتخطئة الآخرين.
تقوية الملكة الاجتهادية لدى طالب العلم، وتدريبه على الترجيح بين الأقوال وفق قواعد علمية.
تحقيق مرونة فقهية تسمح باختيار الأحكام التي تتناسب مع واقع المجتمعات، في ظل مراعاة ضوابط الشريعة.
ومع توسع الدراسات الفقهية المقارنة، برزت عدة قضايا رئيسية شغلت الدارسين والباحثين، منها:
أحكام الأسرة والأحوال الشخصية: مثل الطلاق، والخلع، والولاية، والنفقة، والميراث. وهي أكثر الموضوعات تناولًا بسبب الحاجة لتقنينها وفق صيغة تتوافق مع المذاهب.
المعاملات المالية المعاصرة: خاصة العقود البنكية، والتمويل الإسلامي، والمضاربة، والإجارة المنتهية بالتمليك، وهي مواضيع تحتاج إلى اجتهاد مركّب ومقارنات دقيقة.
فقه الأقليات المسلمة: حيث يُلجأ إلى الفقه المقارن للترجيح بين الآراء التي تيسّر حياة المسلمين في غير ديار الإسلام.
الفقه الطبي: مثل أحكام التبرع بالأعضاء، وزراعة الأجنة، والتلقيح الصناعي، وعمليات الإجهاض، وهي مسائل تتطلب ربط الفتوى بالمستجدات العلمية.
القضايا المعاصرة في السياسة الشرعية: كحقوق المرأة، والمواطنة، والمشاركة السياسية، والحريات العامة، حيث تُستعرض الآراء الفقهية لمقاربة هذه الملفات بتوازن.
وقد شهدت العقود الأخيرة اهتمامًا متزايدًا من الجامعات ومراكز البحوث الشرعية بدراسة الفقه المقارن، حيث أُدرج كمقرر رئيسي في كليات الشريعة، وأُنشئت مجلات ومؤتمرات فقهية متخصصة، أبرزها:
مجمع الفقه الإسلامي الدولي
مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر
الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح
هيئات الفتوى بدور الإفتاء الرسمية
وتُسهم هذه المؤسسات في إصدار فتاوى جماعية، تعتمد على منهج المقارنة والترجيح بين الأقوال، بما يُسهم في ضبط الفتوى وتقليل التناقض.
ولا شك أن الفقه المقارن، يمثل أداة علمية حيوية تُمكن الفقهاء من تجاوز ضيق المذهبية، وتفتح لهم آفاقًا لاختيار الأحكام المناسبة لعصرهم، دون التفريط في الثوابت.
وبينما تزداد الحاجة لتأصيل الرأي الشرعي في ملفات الحياة الحديثة، يبقى الفقه المقارن الوسيلة الأبرز لضمان تجديد فقهي منضبط وموحّد يعكس سعة الشريعة وواقعيتها.
روابط وكلمات مفتاحية
- كلمات مفتاحية | أهمية الفقه المقارن, الفقه الإسلامي, الفقه المقارن, الفقه الميسر