جعل الإسلام الطهارة جزءًا أساسيًا من رسالته، بل جزءًا من الإيمان نفسه، فقد أمر المسلمين بالحفاظ على الطهارة في جميع نواحي حياتهم لما لها من أثر كبير في تزكية النفس ومساعدة الإنسان على القيام بواجباته...
الطهارة مفتاح فقه العبادات

الطهارة مفتاح فقه العبادات

الإسلام جعل الطهارة عبادة بحد ذاتها وجعلها شرطًا أساسيًا لأداء العديد من العبادات

جعل الإسلام الطهارة جزءًا أساسيًا من رسالته، بل جزءًا من الإيمان نفسه، فقد أمر المسلمين بالحفاظ على الطهارة في جميع نواحي حياتهم لما لها من أثر كبير في تزكية النفس ومساعدة الإنسان على القيام بواجباته في الحياة، كما جعل الطهارة عبادة بحد ذاتها، مثل الوضوء والغسل، وجعلها شرطًا أساسيًا لأداء العديد من العبادات مثل الصلاة والطواف وقراءة القرآن. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طَهُور» (متفق عليه)، مما يبرز مدى ارتباط الطهارة بالعبادات.

وقد أشاد النبي صلى الله عليه وسلم بأمته لالتزامها بالطهارة، وقال: «إِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ» (متفق عليه).

ومن مظاهر الطهارة في الإسلام أيضًا الاهتمام بنظافة البيوت والأماكن العامة، حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتطهير الأماكن من النفايات والقاذورات. قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ» (رواه الترمذي)

الإسلام حث أيضًا على نظافة الطرقات ومنع تلويثها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ» أي ما يلعن الناس عليه من تلويث الطرقات والأماكن العامة (رواه مسلم)

كما جعل النبي صلى الله عليه وسلم إزالة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان، حيث قال: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً… وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ» (رواه مسلم)

واهتم الإسلام أيضًا بنظافة المظهر الشخصي، وطهارة الملابس، وحسن الهيئة. قال تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: 4]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» (رواه مسلم)، كما أوصى الإسلام بالعناية بالفم والأسنان، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» (رواه البخاري)

بالإضافة إلى ذلك، اهتم الإسلام بالنظافة الشخصية العامة، مثل قص الأظافر وإزالة الشعر الزائد، كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «عشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ… قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ…» (رواه مسلم)

لأجل هذا وغيره صدرت كتب الفقه بأبواب الطهارة باعتبارها مدخل للعبادات التي هي أول ما يدرسه طالب الفقه

الطهارة تعني النظافة والنقاء وتنقسم إلى نوعين:

الطهارة المعنوية: هي تطهير القلب من الشرك والمعاصي، وهي الأهم؛ لأن طهارة البدن لا تتحقق بوجود نجاسة الشرك، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾.

أما النوع الثاني، فهو الطهارة الحسية: وهي الطهارة من الأحداث والنجاسات.

وكما أشرنا، فإن الفقيه يبدأ بدراسة الطهارة لأنها المفتاح الأساسي للصلاة وأهم شروطها، كما أنها تعكس حسن الإسلام وجماله، من خلال العناية بالنظافة والنقاء في البدن، الملابس، وأماكن العبادة.

وتبدأ دراسة الطهارة عادة بذكر الماء وتعريفه، فهو وفقا لما أقره كثير من الفقهاء: جوهر لطيف سيال لا لون له يتلون بلون إنائه.

والماء المعني بالطهارة: هو الماء الطهور، والذي يعرفه العلماء بأنه هو الماء الطاهر في ذاته والمطهر لغيره، مثل مياه الأنهار والأمطار. كما يشمل الماء الذي خالطه شيء طاهر مثل الطين أو ماء الورد، وما زال يُستخدم للوضوء والغسل.

أما الماء النجس، فهو هو الماء الذي تغيرت صفاته (اللون، الطعم، أو الرائحة) بسبب وقوع نجاسة فيه، ولا يجوز استعماله للتطهر.

الماء الذي تغيرت صفاته بشيء طاهر: كالماء الذي تحول إلى مرق أو شاي. هذا الماء طاهر ولكنه لا يصلح للتطهر، مع العلم بأن الإسلام له نظرته الخاصة في مسألة الطهارة بأن لأصل في الأشياء الطهارة، فالأصل في الماء وغيره الطهارة والإباحة، وإذا شك المسلم في نجاسة شيء، فإنه يبقى على طهارته ما لم يتأكد من وجود نجاسة.

ومن هنا نصل إلى أن الماء المستعمل في الوضوء أو الغسل طاهر ومطهر ما لم تتغير إحدى صفاته الثلاث (اللون، الطعم، أو الرائحة). ودليل ذلك أن الصحابة كانوا يتسابقون للحصول على ماء وضوء النبي ﷺ، مما يدل على طهارته.

 

 

روابط وكلمات مفتاحية
ذات صلة
لا تصوف بغير فقه.. ولا سلوك بغير علم
التصوف، أحد المسارات الروحية التي ظهرت في سياق تطور الفكر الإسلامي.
المزيد »
"إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا"
تتحدث آيات كثيرة في القرآن الكريم عن مصير الإنسان يوم القيامة، فتبيّن حال المؤمنين وما أُعدّ لهم من النعيم،...
المزيد »
تحريم الاختلاط
يُعد فقه المقاصد من أهم علوم الشريعة الإسلامية، حيث يُعنى ببيان حكم الأحكام في ضوء الغايات الكلية لل...
المزيد »
مسروق بن الأجدع
مسروق بن الأجدع الوادعي الهمداني أحد كبار التابعين والمحدثين وأئمة الفقه في صدر الإسلام، نشأ في المدينة...
المزيد »
الخطاب الديني والشباب
يعيش الشباب اليوم في بيئة مشبعة بالمعلومات والتساؤلات، ما بين وسائل التواصل الاجتماعي وتعدد المرجعيات...
المزيد »
وأنت يا أبا عمر ممن يُشنع علينا
شهدت إحدى معارك المسلمين مع الروم موقفًا مؤثرًا بطلُه عبد الله بن المبارك، أحد أعلام التابعين.
المزيد »
أنواع المياه من حيث صلاحيتها للطهارة
الطهارة ركن أساسي في الإسلام، وهي شرط لصحة الصلاة وسائر العبادات.
المزيد »
أحكام الإدغام .. سلاسة النطق وتناسق الإيقاع
يُعد الإدغام من الفنون الدقيقة في التلاوة، فالإدغام لا يقتصر على الإدخال الصوتي للحروف فحسب، بل هو أداة...
المزيد »
المدارس الدعوية.. تنوع المناهج ووحدة الهدف
شهد العالم الإسلامي منذ القرن التاسع عشر بروز عدد من مدارس الدعوة الإسلامية الحديثة، والتي اختلفت في...
المزيد »
مشاهد مؤثرة من فتح مكة.. "اذهبوا فأنتم الطلقاء"
شهد فتح مكة لحظات تاريخية عظيمة ومؤثرة، أبرزها مشهد عفو النبي محمد صلي الله عليه وسلم، عن أهل مكة، بعد...
المزيد »
فتح مكة: الأسباب.. الأحداث.. والتداعيات
يُعد فتح مكة حدثًا مفصليًا في التاريخ الإسلامي، وقع في العام الثامن للهجرة . رمضان 8 هـ / يناير 630...
المزيد »
علم الرجال: ضوابط دقيقة لحماية السنة النبوية
يُعد علم الرجال، من أهم العلوم التي خدم بها علماء المسلمين السنة النبوية.
المزيد »
الشريعة الإسلامية.. منظومة ربانية خالدة
يثير بعض المستشرقين، شبهات حول مدى صلاحية الشريعة الإسلامية للتطبيق في العصر الحديث، زاعمين أنها لا تواكب...
المزيد »
تعرف على مكروهات الصلاة حتى لا ينقص أجرك
الصلاة هي عماد الدين، وأحب الأعمال إلى الله، ولذا حرص الإسلام على إقامتها بأكمل وجه، ظاهرًا وباطنًا.
المزيد »
تجديد الوعي.. بين فقه المواطنة وقيم العيش المشترك
تشهد المجتمعات الحديثة تصاعدا متناميا للتحديات الفكرية والاجتماعية، تبرز الحاجة الملحة إلى خطاب ديني...
المزيد »

تواصل معنا

شـــــارك