بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
الخطاب الديني.. بين الرغبة في الإصلاح والنيل من الثوابت

الخطاب الديني.. بين الرغبة في الإصلاح والنيل من الثوابت
التجديد لا يمكن أن يتم إلا ضمن ضوابط شرعية صارمة تضمن بقاء الثوابت
أثارت الدعوات المتكررة لتجديد الخطاب الديني في العالم العربي والإسلامي جدلًا واسعًا بين العلماء والمفكرين، إذ يرى البعض فيها ضرورة تفرضها تحديات العصر، بينما يخشى آخرون من أن تتحول هذه الدعوة إلى مدخل للمساس بالثوابت الشرعية والتشكيك في أصول الدين.
مفهوم تجديد الخطاب الديني بين الالتباس والتوظيف
ويُعرّف تجديد الخطاب الديني بشكل عام بأنه تطوير آليات وأساليب عرض الدين بما يتوافق مع لغة العصر، دون المساس بجوهر العقيدة أو القطعيات الشرعية. إلا أن غموض هذا المفهوم أتاح مساحات واسعة للتأويل، ما أدى إلى تباين كبير في مواقف المتلقين، خاصة حين يُستَغل المصطلح في سياقات إعلامية أو سياسية دون ضوابط علمية واضحة.
وقد أبدى العديد من علماء الأزهر وهيئات الفتوى قلقهم من توظيف دعوة التجديد في غير محلها، مؤكدين أن الدين الإسلامي في ذاته لا يحتاج إلى “تجديد”، بل إن ما يحتاج إلى المراجعة هو فهم بعض الناس للدين، أو الأساليب التي تُعرض بها تعاليمه، لا سيما في مواجهة خطاب متطرف أو متشدد.
وحذر العلماء، من أن التوسع في استخدام مصطلح “تجديد الخطاب الديني” دون تحديد المقصود به، قد يفتح الباب للطعن في السنة النبوية أو نسف الثوابت تحت شعار التطوير، وهو ما يتنافى مع المنهج الوسطي الذي يتميز به الإسلام.
ضرورة التفرقة بين الثوابت والمتغيرات
ويشدد المختصون في العلوم الشرعية على ضرورة التمييز بين “الثوابت” التي لا تقبل التغيير، مثل أصول العقيدة والعبادات، و”المتغيرات” التي تتعلق باجتهادات الفقهاء في قضايا العصر. ويؤكدون أن التجديد الحقيقي يجب أن يتم داخل إطار المنظومة الإسلامية، لا على حسابها أو خارجها.
وفي هذا السياق، يرى كثير من الباحثين أن التجديد يجب أن يشمل تجديد الخطاب الدعوي، وتطوير مناهج التعليم الديني، ومواكبة التغيرات التكنولوجية والاجتماعية في نشر القيم الإسلامية، مع الحفاظ التام على المرجعيات المعتمدة من الكتاب والسنة.
وقد أعربت مؤسسات دينية كبرى، عن دعمها لفكرة التجديد المنضبط، حيث أعلنت مرارًا أن التجديد مطلوب شرعًا ما دام يستند إلى فهم صحيح للنصوص الشرعية، ويراعي الثوابت الإسلامية. كما طالبت بتمكين المتخصصين المؤهلين للقيام بهذه المهمة، بعيدًا عن اجتهادات غير المختصين.
دعوات الإصلاح يجب أن تنطلق من الداخل
في المقابل، يحذر مراقبون من أن بعض الدعوات لتجديد الخطاب الديني قد تكون مدفوعة بضغوط خارجية، سواء كانت سياسية أو ثقافية، ما قد يؤدي إلى تفريغ الدين من مضمونه الروحي والأخلاقي تحت غطاء الحداثة والتنوير. ويؤكد هؤلاء أن أي إصلاح ديني حقيقي لا بد أن ينطلق من داخل المنظومة الإسلامية نفسها، وعلى أيدي علمائها الموثوقين.
التجديد ضرورة.. ولكن بشروط
ولا شك أن العالم الإسلامي في حاجة إلى تجديد في تقديم الدين وفهمه بما يتلاءم مع الواقع المعاصر، لكن هذا التجديد لا يمكن أن يتم إلا ضمن ضوابط شرعية صارمة تضمن بقاء الثوابت، وتُفرّق بين ما هو قابل للاجتهاد وما هو غير قابل للمساس. وبين دعوات التجديد ومخاوف التغيير، يظل الرهان معقودًا على وعي المجتمعات الإسلامية والمؤسسات الدينية في الحفاظ على جوهر الدين واستمرارية رسالته.
روابط وكلمات مفتاحية
- كلمات مفتاحية | الخطاب الديني, تجديد الخطاب الديني, تطور الخطاب الديني