بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

الجدال بالتي هي أحسن
يشكل مبدأ “الجدال بالتي هي أحسن” أحد أبرز الأساليب التي دعا إليها القرآن الكريم في مسار الدعوة إلى الله، ويعكس هذا المنهج بعدًا إنسانيًا وأخلاقيًا عميقًا، يجعل الحوار مع الآخر أداة للبناء لا للهدم، وللتأثير لا للمواجهة. ويستمد هذا النهج أسسه من قول الله تعالى: “ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن…”، ما يجعل من الجدال وسيلة دعوية تعتمد على اللين والرفق والاحترام.
القرآن يؤسس لمنهجية الحوار البناء
ويركز الخطاب القرآني في أكثر من موضع على أن الجدال لا يعني الخصومة أو المشاحنة، بل هو مناقشة تقوم على المنطق والحكمة، من أجل الوصول إلى الحق بالحجة والبرهان. فالجدال بالتي هي أحسن يحمل دعوة إلى فتح أبواب التواصل مع الآخر المختلف، على قاعدة الاحترام المتبادل، ونبذ العنف اللفظي أو الإقصاء.
وقد ضرب النبي محمد صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في هذا الباب، حين كان يتحاور مع المشركين واليهود والنصارى، بحكمة ولين، دون إساءة أو تهكم، مما جعل كثيرًا من خصومه يتحولون إلى مؤمنين بعد أن لامسوا خلقه وأدبه.
منهج الجدال بالتي هي أحسن في السنة النبوية
وقد جاءت السنة النبوية، لتعزز هذا المنهج، حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستمع إلى محاوريه دون مقاطعة، ويجيب عن تساؤلاتهم بهدوء ووضوح، مستعملًا لغة يفهمها الجميع، ويراعي فيها خلفياتهم الثقافية والدينية. فالحوار في الإسلام لا يُبنى على التحدي أو كسر الآخر، بل على بيان الحق بالحكمة.
ومن أشهر الأمثلة على ذلك، حواره مع نصارى نجران، حيث استمر النقاش بينهم في المسجد النبوي، دون أن يُقابلهم النبي بالصدّ أو الطرد، بل أفسح لهم المجال لطرح رؤاهم، ثم رد عليهم بالحجة والبصيرة.
ورغم أن الجدال بالتي هي أحسن يدعو إلى اللين، فإنه لا يعني التفريط في الثوابت أو التنازل عن الحق. بل هو أسلوب يعكس قوة الحجة ورجاحة العقل، ويهدف إلى إقناع الطرف الآخر من خلال العرض العقلاني والمقنع للمبادئ الإسلامية.
ويفرق العلماء بين الجدال المذموم الذي يسعى إلى الانتصار للنفس، والجدال المحمود الذي يُراد به الوصول إلى الحقيقة. فالجدال الممدوح لا يخرج عن إطار الأدب والاحترام، ويتجنب السخرية والاتهامات، ويُعلي من قيمة التفاهم على حساب الصدام.
لقد ثبت بالتجربة أن الخطاب اللين في الدعوة أكثر تأثيرًا في النفوس من الخطاب القاسي، فالناس بطبعهم ينفرون من العنف ويتأثرون بالكلمة الطيبة والموقف الحسن. لذلك جاء في الحديث الشريف: “ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه“.
وهو ما يفسر وصية الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام حين أرسلهما إلى فرعون: “فقولا له قولًا لينًا لعله يتذكر أو يخشى“. فإذا كان هذا مع طاغية مثل فرعون، فكيف يجب أن يكون مع عامة الناس؟
وفي ظل التحديات المعاصرة، ومع تصاعد موجات العنف اللفظي والتطرف، تبرز أهمية العودة إلى منهج “الجدال بالتي هي أحسن” كأداة فعّالة في الدعوة الإسلامية، تسهم في كسب القلوب قبل العقول، وتُظهر سماحة هذا الدين وروحه الإنسانية.
فالخطاب الدعوي اليوم أحوج ما يكون إلى العقلانية، والحكمة، والرحمة، وهي القيم التي ترتكز عليها هذه القاعدة القرآنية البديعة، لتكون الدعوة وسيلة للتغيير الإيجابي، لا للصدام والصراع.
روابط وكلمات مفتاحية
- كلمات مفتاحية | أساليب الدعوة, الجدال بالتي هى أحسن, الدعوة, الدعوة الإسلامية