بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
التحلية والتخلية منهج النبي في تزكية النفس

التحلية والتخلية منهج النبي في تزكية النفس
اهتم النبي صلى الله عليه وسلم اهتماما بالغا بتزكية النفس لتقوى على الطاعة والالتزام، ولا تضعف أمام الشهوات والملذات، حيث اتضح ذلك جليا من خلال المنهج النبوي التعامل مع النفس.
وقد اتبع النبي صلى الله عليه وسلم لتزكية النفس، مبدأي التخلية والتحلية، حيث أن التخلية يقصد بها تطهير النفس من أمراضها وأخلاقها الرذيلة، وأما التحلية: فهي ملؤها بالأخلاق الفاضلة وإحلالها محل الأخلاق الرذيلة بعد أن خليت منها، موضحا أن الأخلاق الرذيلة مثل : الشرك والرياء، والعجب، والكبر، والبغض والحسد، والشح والبخل، والغضب، والحرص على الدنيا وحبها لذاتها وإيثارها على الآخرة، والفضولية وعدم الجد في الحياة، وأما الأخلاق الفاضلة فكالتوحيد والإخلاص والصبر، والتوكل والإنابة، والتوبة، والشكر، والخوف والرجاء، وحسن الخلق في التعامل مع الناس، والشفقة عليهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ونفعهم بقدر المستطاع، وعدم تغيير قلوبهم بما ليس بلازم شرعاً.
وقد أسس النبي صلى الله عليه وسلم لأسلوب عام يمكن من خلاله كبح جماح النفس من خلال التعرف على الأخلاق الذميمة وعلى أسبابها، حتى يعلم الإنسان أنها موجودة لديه، وبالتالي يتمكن من التخلص منها فإن من لم يشعر بالمرض ويتعرف على أسبابه لا يمكنه علاجه، ولكي يستطيع الإنسان الانتصار على نفسه ينبغي لـه أن يضع أسساً للتعامل، وذلك من خلال الإنصاف منها، وعدم تبرئتها، فقد كان صلى الله عليه وسلم يقتص من نفسه وهو المعصوم المسدد بالوحي، هذا بالإضافة إلى ترك الانتصاف لها من الغير بأخذ الثأر لها والانتصار لها، فإنها ظلومة جهولة، وإذا كانت هي المظلومة فقد قال الله عز وجل “ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور”، فضلا عن اتهامها دائماً، فإنه إذا لم يتهمها الإنسان أغوته وقادته إلى التهلكة، فأنت مخير في الوجهة التي ترتضيها لنفسك، فإذا سرت وراءها وأطلقت لها الزمام سارت بك إلى أسفل سافلين، وإن قدتها أنت وطمحت بها إلى المراتب العالية انقادت لك وراء ذلك، فإذا عامل الإنسان نفسه على هذا النحو ملكها واستطاع توجيهها نحو الخير، فإذا دعاها إلى عبادة انقادت لـه واستسلمت، وإن دعيت إلى شر وجدت تأبياً ونفوراً عنه، أما الذي لا يعالج نفسه هذا العلاج ولا يجتهد في مجاهدتها عما تهوى وتحب، فإنه إذا دعاها إلى العبادة نفرت، وإذا رأت أنه سيحملها على طاعة من الطاعات شردت، مثل الدابة تماماً، فالدابة إما أن تكون مطيعة وإما أن تكون شروداً حروناً، وكذلك النفس إذا عودها الإنسان على ترك هذه الأخلاق الذميمة كانت كالدابة المطيعة المنقادة، يحمل عليها ما شاء وتسير به حيث شاء، أما إذا تعودت على هذه الأخلاق الذميمة وأرخى لها الحبل على الغارب فإنها تكون شروداً حرونا إذا احتاج إليها لم يستطع إمساكها، وإذا أحست بأي حمل سيحمله عليها نفرت منه، فلا بد من مراقبة هذه النفس ومتابعتها، وليختبر متى استعدادها للأوامر وانصياعها للخير باستمرار، فإن الذي إذا سمع النداء حي على الصلاة حي على الفلاح أخذه النعاس وبحث عن الوسادة نفسه ما زالت مريضة لم تنقذ له بعد، والذي ينام على فراشه إذا تعار من الليل لم يستطع أن ينتصر على نفسه فيستيقظ ويذكر الله ويتوضأ ويصلي حتى تحل عنه عقد الشيطان، نفسه ما زالت مريضة تحتاج إلى علاج، والذي لا تطاوعه نفسه إذا أراد صوم النفل أو إنفاق المال أو أراد أي عمل خير لا تطاوعه نفسه ما زالت مصابة بمرض عضال مخوف لا بد من علاجه قبل فوات الأوان، فلا بد أن يضع الإنسان نفسه في قفص الاتهام وأن يحملها على العزائم وإلا قادته هي إلى المهالك ومهاوي الردى.
وقد أسس النبي صلى الله عليه وسلم في أمته العمل على تزكية النفس وتهذيبها، من خلال العمل على تطهير النفس من أخلاقها الرذيلة كالرياء والعجب والشح والبخل، والحرص والطمع، والأمن من مكر الله، وتحليتها بالأخلاق الحميدة الفاضلة بعد أن أصبحت جاهزة لها بتخليها على الأخلاق الدنيئة، وهذه الأخلاق هي مثل : الإخلاص، والإنابة، والخوف من الله، والشكر، والتواضع، فضلا عن المحافظة على الفرائض، لأنها أفضل طاعة يتقرب بها العبد إلى مولاه “وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه” ، وكذلك الإكثار من النوافل، فقد ورد في الحديث القدسي “ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه” وأعظمها تأثيراً في تزكية النفوس هو ما كان منها أكثر مذلة وخضوعاً لله عز وجل، وأيضا من خلال تدبر القرآن، فهو جلاء القلوب، فإذا صفى القلب زكت النفس، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد” قيل وما جلاؤها قال : “تلاوة القرآن وذكر الموت”، هذا بالإضافة إلى محاسبة النفس، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم “الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني”، وأخرج الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية”.
روابط وكلمات مفتاحية
- كلمات مفتاحية | الإنابة, التحلية, التخلية, تذكية النفس, تطهير النفس, منهج النبي