بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

الإجهاض.. مبررات معتبرة ومحاذير فقهية
يُعد موضوع الإجهاض من القضايا الفقهية الشائكة التي ناقشها العلماء بتفصيل، نظرًا لارتباطه بحق الجنين في الحياة، وبالظروف الصحية والاجتماعية للأم. وقد تناول الفقه المقارن هذا الموضوع من خلال استعراض آراء المذاهب الإسلامية الأربعة واختلافها حول جواز الإجهاض من عدمه، ومرحلة الجنين، ومبررات العملية.
الإجهاض قبل 120 يومًا.. اختلاف بين المذاهب
واتفقت المذاهب الفقهية عمومًا على أن نقطة التحوّل الأساسية في حكم الإجهاض تبدأ بعد مرور 120 يومًا (أربعة أشهر) من الحمل، حيث يُعتقد أن الروح تُنفخ في الجنين في هذه المرحلة، بناءً على الحديث الشريف:
“إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا…” رواه البخاري.
أما قبل ذلك، فقد اختلفت المذاهب
الحنفية: أجازوا الإجهاض قبل 120 يومًا إذا كان هناك عذر معتبر، كصحة الأم أو ظروف قاهرة، بشرط عدم ثبوت الحياة “أي عدم الحركة أو التخلق الواضح”.
المالكية: رأوا تحريم الإجهاض مطلقًا من لحظة التلقيح، ولو قبل نفخ الروح، باعتبار الجنين أمانة منذ اللحظة الأولى.
الشافعية: أجاز بعضهم الإجهاض قبل 40 يومًا مع وجود عذر، وبعضهم تشدد وحرّمه مطلقًا.
الحنابلة: تفاوتت الآراء، لكن الأغلب أجازوا الإجهاض قبل 40 أو 80 يومًا إذا دعت الحاجة، وحرّموه بعد ذلك إلا للضرورة القصوى.
وبمجرد مرور 120 يومًا على الحمل، أجمعت المذاهب على تحريم الإجهاض تحريمًا شديدًا، لأنه يصبح قتلًا لنفس موهوبة من الله، وهو ما يدخل في قوله تعالى:
“ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق. الأنعام: 151. لكن بعض الفقهاء أجازوا الإجهاض بعد هذه المرحلة في حالة واحدة فقط، وهي خطر محقّق على حياة الأم، باعتبار أن إنقاذ الأم أولى لأنها أصل الحياة.
وقد رفضت الشريعة الإسلامية اعتبار الفقر أو الخوف من المستقبل أو المسؤولية الاجتماعية مبررًا للإجهاض، لقوله تعالى:”ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق، نحن نرزقهم وإياكم” . الإسراء: 31.
فالدوافع الاقتصادية أو النفسية لا تُعد مبررًا شرعيًا، ما لم تتحول إلى حالة نفسية خطيرة تهدد حياة الأم، وهو ما تُقدّره لجان الفتوى والمختصون الطبيون.
آراء المجامع الفقهية الحديثة
المجامع الفقهية الإسلامية، مثل مجمع الفقه الإسلامي الدولي وهيئة كبار العلماء في السعودية، أصدرت قرارات متقاربة تنص على:
تحريم الإجهاض بعد 120 يومًا مطلقًا، إلا إذا قرر الأطباء المختصون أن بقاء الجنين يهدد حياة الأم.
جواز الإجهاض قبل 40 أو 80 يومًا إذا وُجدت مبررات طبية معتبرة.
التأكيد على ضرورة الرجوع إلى فتوى رسمية ولجنة طبية موثوقة قبل اتخاذ القرار.
وعليه.. أظهر الفقه الإسلامي حكمة متوازنة في تعامله مع قضية الإجهاض، فحفظ حق الجنين في الحياة، وراعى في الوقت ذاته ظروف الأم ومصلحتها، ضمن ضوابط محكمة توازن بين النص والمقاصد. وقد عكست اختلافات المذاهب في هذه القضية مرونة الفقه الإسلامي واستجابته لظروف الواقع، دون أن يفرط في حرمة النفس أو يتساهل في القتل بغير حق.
روابط وكلمات مفتاحية
- كلمات مفتاحية | أحكام الاجهاض في الإسلام, الإجهاض, الاجهاض والمذاهب الاسلامية, الفقه الاسلامي والاجهاض