بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

ابن تيمية وفقه المقاصد
رؤية تجديدية ضمن أصول الشريعة
يُعد شيخ الإسلام ابن تيمية من أبرز العلماء الذين تناولوا فقه المقاصد بطريقة واعية ومبكرة، رغم أن مصطلح “فقه المقاصد” لم يكن منتشرًا زمنه بالشكل الذي عُرف به لاحقًا مع الشاطبي. لكن ابن تيمية سبق عصره في الاهتمام بـ الحِكم والمصالح الشرعية، وجعلها منطلقًا أساسيًا في فهم النصوص واستنباط الأحكام.
مقصد تحقيق العدل من أبرز أصوله
وقد ركز ابن تيمية، على أن العدل مقصدٌ أساسيّ من مقاصد الشريعة، معتبرًا أن كل ما يؤدي إلى الظلم فهو مخالف لها، حتى لو جاء تحت ستار ظاهر من النصوص. وقال في ذلك:”إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة”. وقد استدل بذلك على أن مقصد الشريعة الأول هو تحقيق العدل بين الناس وصيانة حقوقهم.
ومن أبرز مقاصد الشريعة التي أكد عليها ابن تيمية، رفع الحرج ودفع الضرر، وكان يستدل بقوله تعالى:
“وما جعل عليكم في الدين من حرج” الحج: 78. وبناء على هذا الأصل، أجاز الكثير من الرخص والتيسيرات، خاصة في قضايا الطلاق، والنفقات، والعبادات، بل وصل الأمر به أحيانًا إلى إبطال بعض العقود إن كانت تتعارض مع مقصد رفع الضرر والمشقة عن الناس.
واعتبر ابن تيمية أن المصلحة الشرعية مرعية في كل تشريع إلهي، وأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فإذا انتفت المصلحة، انتفى الحكم. وكان كثيرًا ما يربط بين ظاهر النص وروحه، فيفهمه في سياقه العام ومقصده المقصود، لا في شكله الحرفي المجرد.
وقد برز هذا في فتاواه التي راعت تغير الأحوال والعادات، ومنها فتواه الشهيرة في بيع التمر بالدينار والدراهم، حيث قدّم مقصد المصلحة والاستقرار الاقتصادي على مجرد التمسك بالظاهر.
تأثيره على مدارس المقاصد المعاصرة
رغم أن كثيرًا من المدارس المقاصدية الحديثة نسبت التأصيل المقاصدي للشاطبي، فإن الباحثين المعاصرين عادوا إلى تراث ابن تيمية ليجدوا فيه جذورًا قوية لفقه المقاصد. وقد تأثر به عدد من المفكرين والمجددين كابن القيم، ومحمد الطاهر بن عاشور، وغيرهم، خاصة في قضايا السياسة الشرعية والعدالة الاجتماعية.
فقد قدّم ابن تيمية رؤية عميقة لفقه المقاصد، جمعت بين نصوص الشريعة وروحها، وبين التمسك بالأصل والتفاعل مع الواقع. ومثّل فكره مرحلة متقدمة في التأصيل المقاصدي قبل أن يُصاغ هذا العلم بصورته النظرية الكاملة. ورؤيته ما زالت منارات يهتدي بها الباحثون والفقهاء في عصر تتجدد فيه الأسئلة وتتطور فيه الحاجات.
روابط وكلمات مفتاحية
- كلمات مفتاحية | ابن تيمية, الفقه الاسلامي, فقه المقاصد