بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

أخلاقيات الحرب
في وقت تعصف فيه النزاعات بالعالم وتغيب القيم في ساحات القتال، يقدّم الإسلام نموذجًا فريدًا في أخلاقيات الحروب، يجمع بين الحزم والرحمة، ويضبط استخدام القوة بضوابط إنسانية لم تعرفها حضارات كثيرة عبر التاريخ. إذ لم تكن الحروب في الإسلام عبثية أو انتقامية، بل وسيلة مشروعة تُضبط بأخلاق سامية تحفظ كرامة الإنسان وحقوقه.
وتاريخ البشرية شهد الكثير من المذابح والانتهاكات خلال الحروب، حيث تغيب الرحمة وتسيطر مشاعر الغضب والثأر. لكن الإسلام قدّم نموذجًا مغايرًا، إذ جعل الحروب مشروعة في حالات الضرورة القصوى فقط، وضبطها بأحكام أخلاقية صارمة تبدأ من لحظة إعلان القتال إلى ما بعد النصر. وهذه الأخلاقيات ليست شعارات نظرية، بل التزم بها قادة المسلمين عبر التاريخ.
الرحمة أساس لا يُستثنى في الحرب
وأبرز ما يميز أخلاقيات الحرب في الإسلام هو الالتزام بالرحمة حتى مع العدو. فقد أوصى النبي محمد صلى الله عليه وسلم قادة الجيوش بعدم قتل الأطفال والنساء، حيث قال في وصيته الشهيرة كما في صحيح مسلم: “ولا تقتلوا وليدًا”. وفي رواية أخرى: “ولا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلاً، ولا امرأة”. هذه التوجيهات تضع حدودًا صارمة ضد قتل الأبرياء، وتؤكد أن القتال ليس ضد المسالمين بل المعتدين.
ومن القيم اللافتة في أخلاقيات الحروب الإسلامية، احترام أماكن العبادة وأهلها من غير المسلمين. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ولا تقتلوا أصحاب الصوامع”، أي المتفرغين للعبادة. وهو موقف يتفرد به الإسلام مقارنةً بالكثير من الحضارات التي لم تُراعِ خصوصية المتعبدين خلال النزاعات.
تحريم الغدر والوفاء بالعهود حتى مع الأعداء
والغدر في الإسلام جريمة أخلاقية كبرى حتى في حالة الحرب. أوصى النبي قائلاً: “ولا تغدروا”، وأعلن البراءة من كل من يخون عهده، فقال: “من أمَّن رجلاً على دمه فقتله، فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافرًا”. وقد بلغ التزام الصحابة بهذه القيم حدًا جعل عمر بن الخطاب يهدد بقتل أي جندي يغدر بعد وعد بالأمان، حتى مع عدو محارب.
وفي الوقت الذي تُدمَّر فيه البنى التحتية في الحروب الحديثة، قدّم الإسلام مثالًا مخالفًا تمامًا، إذ أوصى الخليفة أبو بكر الصديق جيوشه المتجهة لفتح الشام بعدم الإفساد، قائلاً: “ولا تفسدوا في الأرض، ولا تُغرقُن نخلاً ولا تحرقنه، ولا تعقروا بهيمة، ولا شجرة تثمر، ولا تهدموا بيعة”.
وهذه التعليمات تعكس حرصًا شديدًا على حماية البيئة والعمران، وأخلاقا اسلامية رفيعة وتمنع كل أشكال التخريب حتى في أراضي العدو.
أخلاقيات وخلق الحرب في الإسلام، ليست مجرد مرويات تاريخية، بل منظومة متكاملة من القيم التي تُطبّق في أقسى ظروف الحياة. فحين يُحسن الإنسان التصرف في الحرب، فقد بلغ ذروة الأخلاق.
وقد رسّخ الإسلام هذه القيم في نفوس المسلمين، فخلّدت سير قادتهم العسكريين نماذج مضيئة في الإنصاف، والتسامح، والرحمة، حتى في ساحات الدم والنار.
روابط وكلمات مفتاحية
- كلمات مفتاحية | أخلاقيات الحرب, الأخلاق, الغدر, الوفاء والإخلاص, قيم الإسلام