بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

أحمد بن حنبل.. إمام السنة وميزان علم الرواية
في سجل أعلام الإسلام، يبرز الإمام أحمد بن حنبل كرمزٍ للسنة، وعَلَمٍ من أعلام الفقه والحديث، ومؤسسٍ لأحد المذاهب الأربعة الكبرى في الفقه الإسلامي. عُرف بثباته في المحنة، وغزارة علمه، ودقته في رواية الحديث، فضلًا عن تأثيره العميق في علم الرجال الذي يُعدّ أحد أركان نقد الحديث الشريف.
المولد والنشأة
وُلد أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني في بغداد عام 164هـ، ونشأ يتيمًا في أسرة متواضعة، لكنه أظهر منذ صغره ميلًا شديدًا للعلم، وخاصة الحديث النبوي، فبدأ رحلته في طلب العلم وهو في سن مبكرة، وتنقل بين البلاد مثل الحجاز واليمن والشام، باحثًا عن الرواية الصحيحة، وجامعًا لأقوال أهل الأثر.
إمام أهل السنة والجماعة: نال أحمد بن حنبل لقب “إمام أهل السنة والجماعة” بجدارة، لما عُرف به من تمسك قوي بالسنة النبوية، ودفاعه الصلب عنها، لا سيما في فتنة خلق القرآن التي وقعت في عهد الخليفة العباسي المأمون. رفض الإمام القول بخلق القرآن رغم تعرضه للسجن والضرب، فثبت على موقفه، مما جعله قدوة في الصبر والثبات على العقيدة.
علمه بالحديث والرجال
كان أحمد من أئمة المحدثين الكبار، وقد جمع آلاف الأحاديث في مسنده الشهير المعروف بـ “مسند الإمام أحمد”، والذي يُعد من أكبر كتب الحديث، إذ يضم ما يقارب 30 ألف حديث.
أما في علم الرجال، فقد كان أحمد شديد الدقة، حريصًا على الرواية عن الثقات فقط، وله أقوال مشهورة في الجرح والتعديل، وكان مرجعًا في الحكم على الرواة. وقد وصفه الإمام يحيى بن معين بقوله: “من أراد الحديث فعليه بأحمد بن حنبل”.
الفقه والمذهب الحنبلي: أسس الإمام أحمد المذهب الحنبلي، وهو أحد المذاهب الأربعة المعتمدة في الفقه الإسلامي، والذي تميز بالاعتماد الأكبر على النصوص من القرآن والسنة، وتقديمها على الرأي والقياس، ما جعله مذهبًا يميل إلى الاحتياط والورع، ويتسم بالبساطة في كثير من مسائله.
وقد تأثر بفقه الإمام الشافعي، لكنه كان له اجتهاداته المستقلة، التي دونها تلاميذه، وانتشرت لاحقًا في بلاد الحجاز والعراق ثم في الشام ومناطق من الجزيرة العربية.
وفاته وإرثه الخالد
توفي الإمام أحمد بن حنبل عام 241هـ في بغداد، وقد شيعه آلاف الناس في جنازة مهيبة، قيل إن بغداد لم تشهد مثلها من قبل.
ترك الإمام أحمد أثرًا لا يُنسى في الفقه والحديث، وكان رمزًا للسُّنة، وأيقونة في الصبر والثبات على المبدأ، ومصدرًا للثقة في التمييز بين الثقات والضعفاء من الرواة.
وهكذا.. فقد كان أحمد بن حنبل ليس مجرد عالم فقه وحديث، بل منارة إسلامية شامخة لا تزال تعاليمه وآثاره شاهدة على علمه وصدقه وورعه. فكل من تتلمذ على السنة، وتعلّم الحديث، واستند إلى الرواية، لا بد أن يمرّ بإرث هذا الإمام الجليل، الذي اختصر الإسلام في عقيدة ثابتة وفقه نقي، وحديث متقن، ورجال موثوقين.
روابط وكلمات مفتاحية
- كلمات مفتاحية | أحمد بن حنبل, الحديث الشريف, علم الرجال