بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

الفكر القومي
هل يتعارض مع مفهوم الأمة الإسلامية الجامع؟
شكَّلت القومية منذ ظهورها في القرن التاسع عشر إحدى أهم الإيديولوجيات السياسية التي أثرت في تشكيل هويات الأمم وحدود الدول، خاصة في أوروبا ثم في العالم العربي والإسلامي، حيث تحولت إلى أداة لمقاومة الاستعمار وبناء الكيانات الوطنية، لكنَّ هذا الفكر يطرح إشكالية كبرى في السياق الإسلامي؛ إذ يتقاطع مع مفهوم الأمة الإسلامية الجامع الذي يقوم على الأخوة في الدين لا على الانتماء العرقي أو الجغرافي.
فهل يمكن التوفيق بين الفكر القومي والمبادئ الإسلامية؟ أم أن القومية بصورتها المتطرفة تمثل عصبية جاهلية محذورًا منها شرعًا؟ وهل يمكن أن تكون القومية وسيلةً لتعزيز مصالح المسلمين دون أن تتعارض مع عقيدتهم؟
والقومية هي فكر سياسي واجتماعي يركز على الانتماء إلى أمة أو مجموعة عرقية مشتركة، حيث تسعى إلى تحقيق وحدة سياسية وثقافية بين أفرادها، حيث تستند القومية إلى عوامل مثل اللغة، التاريخ، الثقافة، والجغرافيا، وغالبًا ما تهدف إلى تحقيق الاستقلال السياسي أو تعزيز الهوية الوطنية.
وقد ظهر التيار القومي في أوروبا خلال القرن التاسع عشر، متأثرًا بالحركات القومية التي سعت إلى توحيد الشعوب وفقًا للهوية الوطنية.
وامتد هذا المفهوم لاحقًا إلى العالم العربي والإسلامي، حيث استخدم كأداة لمقاومة الاستعمار وتعزيز الاستقلال الوطني.
القومية في السياق الإسلامي
وتتباين وجهات النظر حول القومية في الإسلام، فبينما يرى البعض أنها تتعارض مع مبدأ الأخوة الإسلامية، الذي يدعو إلى وحدة المسلمين بغض النظر عن العرق أو القومية، يرى آخرون أنها أداة لتعزيز الهوية الوطنية وحماية مصالح الشعوب المسلمة.
ويرى بعض العلماء أن القومية تتناقض مع الإسلام لأنها تدعو إلى تقديم الانتماء القومي على الانتماء الديني، وهو ما قد يؤدي إلى تفرقة المسلمين. كما أن الإسلام يدعو إلى المساواة بين الشعوب وعدم التمييز بناءً على العرق أو اللغة، كما جاء في قوله تعالى: “إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ”.
وعلى الجانب الآخر، هناك من يرى أن القومية لا تتناقض بالضرورة مع الإسلام، بل يمكن أن تكون وسيلة لخدمة الأمة الإسلامية إذا كانت تهدف إلى حماية مصالح المسلمين وتعزيز هويتهم دون التعصب أو العنصرية.
الحدود الجغرافية الضيقة
في التاريخ الإسلامي، ظهر مفهوم الانتماء للأمة الإسلامية بشكل مشابه لمفهوم القومية، لكنه كان أوسع من الحدود الجغرافية والقومية الضيقة.
والإسلام يرفض التعصب القومي إذا أدى إلى الظلم أو التفريق بين البشر، فقد حذر النبي محمد ﷺ من العصبية القبلية قائلاً: “دعوها فإنها منتنة” رواه البخاري ومسلم، في إشارة إلى العصبيات الجاهلية التي تؤدي إلى التفرقة والتمييز بين الناس.
وقد شهد التاريخ الإسلامي، مواقف متباينة تجاه القومية، حيث تبنت بعض الحركات الإسلامية مواقف رافضة للقومية، معتبرة أنها تساهم في تفتيت وحدة المسلمين. في المقابل، ظهرت حركات أخرى حاولت التوفيق بين الانتماء القومي والانتماء الإسلامي، مؤكدة أن الهوية الوطنية لا تتناقض مع العقيدة الإسلامية إذا لم تكن وسيلة للتمييز أو الصراع.
ويبقى موقف الإسلام من القومية مرتبطًا بمدى التزامها بالقيم الإسلامية، فإذا كانت وسيلة لتحقيق العدل والتعاون بين الشعوب دون تعصب أو تفريق، فقد تكون مقبولة. أما إذا أدت إلى الانغلاق والتفرقة، فإنها تصبح مخالفة لمبادئ الإسلام التي تدعو إلى الوحدة والتآخي بين البشر.
روابط وكلمات مفتاحية
- كلمات مفتاحية | القومية العربية, القومية والإسلامية, القوميين العرب, تيار القومية, تيارات فكرية