بين الرحمة والجهاد.. قراءة في زيف اتهام الإسلام بالعنف

الإسلامُ كالبحرِ العظيم: قد ترى منه الأمواجَ العاتيةَ إذا أُغضب، لكنَّ أعماقَه مليئةٌ بلآلئِ الرحمةِ والتسامح، فمن يرميه بالعنفِ كمن يُريدُ أن يصطادَ في الماءِ العكرِ ليُبررَ خوفَه من مجهول....
بين الرحمة والجهاد.. قراءة في زيف اتهام الإسلام بالعنف

بين الرحمة والجهاد.. قراءة في زيف اتهام الإسلام بالعنف

الإسلامُ كالبحرِ العظيم: قد ترى منه الأمواجَ العاتيةَ إذا أُغضب، لكنَّ أعماقَه مليئةٌ بلآلئِ الرحمةِ والتسامح، فمن يرميه بالعنفِ كمن يُريدُ أن يصطادَ في الماءِ العكرِ ليُبررَ خوفَه من مجهول.

الحلُّ ليس في تشويهِ صورةِ الإسلام، بل في فهمِه كما هو: دينٌ يوازنُ بين الحقِّ والرحمة، بين العدلِ والسلام، وليس كما يحلو للبعض أن يلصق به كالوشمِ على الجلد: أنه دينُ العنف، دينُ السيف، دينٌ يأمرُ أتباعَه بقتل “الكفار” أينما وُجدوا! لكنَّ الحقيقةَ كالنورِ لا تحتاجُ إلى أكثر من شمعةٍ واحدةٍ لتبديدِ الظلام. فكيف لدينٍ جعلَ من “الرحمة” شعارَه الأول، ومن “ادفع بالتي هي أحسن” دستورَ أخلاقه، أن يُختزلَ في صورةِ قاتمةٍ لا تعرفُ غيرَ العنف؟

فهل يُعقَلُ أن يكونَ دينٌ جاءَ بـ”وإنْ جنحوا للسلم فاجنح لها” مُحرِّضًا على العنف؟ وهل يُتصوَّرُ أن تكونَ رسالةٌ بدأتْ بـ”اقرأ” دعوةً للجهلِ والقتل؟

الإسلام دين الرحمة، لا دين العنف

النصوصُ المؤسِّسةُ للإسلام تُجمعُ على أنَّ الأصلَ في العلاقةِ مع غيرِ المسلمين هو السلامُ لا الحرب. يقول الله تعالى: “لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ”.

حتى في الحرب، وضعَ الإسلامُ ضوابطَ صارمةً: فلا قتلَ للمدنيين، ولا تعذيبَ، ولا إفسادَ في الأرض.

الجهادُ دفاعٌ لا عدوان:

مفهومُ “الجهاد” في الإسلام ليس هجومًا عشوائيًّا، بل هو ردٌّ على الظلمِ والعدوان. يقول تعالى: “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ”.

 

التاريخُ يشهدُ أن المسلمين لم يفرضوا دينهم بالسيف، فمصرُ دخلها الإسلامُ دون حربٍ بعد معاهدةِ الإسكندرية، وجنوبُ شرق آسيا انتشرَ فيها الإسلامُ بالتجارةِ والأخلاق.

التعايشُ سمةُ الحضارة الإسلامية

تحت الحكم الإسلامي، عاشَ اليهودُ والنصارى في أمانٍ، بل وصلَ بعضُهم إلى مناصبَ رفيعةٍ في الدولة (كابنِ ميمون الطبيب، وعباسِ بن فرناس العالم).

 

لكن على الرغم من ذلك لا يتوقف أعداء الاسلام عن إثارة الشبهات حول الاسلام وعقيدته ودعوته، باختلاق مزاعم عدم ومنها أن الاسلام يشجع على العنف والقتل!!

استنادًا إلى بعض الآيات مثل آية السيف التي يأمر فيها القرآن بقتال الكفار. ولكن من المهم التفريق بين النصوص في سياقها الصحيح وفهم المقاصد العامة للإسلام.

والإسلام نفسه دين السلام، والاسم نفسه “إسلام” مشتق من جذر “س ل م”، الذي يدل على السلامة والانسجام. والإسلام هو استسلام لله والتزام بالطريق الصحيح الذي ينقّي الإنسان من الشرك.

وقد جاء في الحديث النبوي الشريف:”المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده”، وهو ما يظهر أن الإسلام يشجع على السلامة والابتعاد عن الأذى، ما يدحض هذه الشبهة.

وتحية المسلم هي “السلام عليكم”، وهي دعوة للسلامة من الأذى والمكروه، وتُظهر هذه التحية روح الإسلام التي تدعو إلى السلام بين الناس وتجنب العنف. وهذا ينسجم مع قوله تعالى:”فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً”، وهذا ما يدحض هذه الشبهة.
والإسلام يحث على حماية الحياة البشرية ويحرم قتل النفس إلا بالحق، كما جاء في القرآن الكريم:
“وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقّ”، كما جاء في الآية الأخرى:”مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا”. وهذا يشير إلى أن القتل، سواء كان للمسلمين أو لغيرهم من المعاهدين والمستأمنين، مُحرَّم.

الجهاد لا يعني الاعتداء أو سفك الدماء بلا مبرر

أمام الجهاد في الإسلام فله شروط، وهو لا يعني الاعتداء أو سفك الدماء بلا مبرر، بل هو جهاد لإقامة دين الله في الأرض، ودفع الظلم وإحقاق الحق. كما جاء في القرآن:”أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ”.

ومن الضروري أن، يتم دعوة الكفار أولًا إلى الإسلام، ثم إمهالهم ثلاث أيام للاختيار بين الإسلام أو الجزيّة أو القتال، وإن رفضوا القبول، يُسمح في تلك الحالة بالقتال، فالجهاد في الإسلام له ضوابط أخلاقية وأداب، حيث يجب على المجاهدين أن يلتزموا بتقوى الله ويحسنوا معاملة الآخرين حتى في أثناء القتال.

والجهاد في الإسلام، يُشرع فقط في حالة الدفاع عن النفس ورفع الظلم، وله شروط وأخلاق وضوابط صارمة.

روابط وكلمات مفتاحية
ذات صلة
لا تصوف بغير فقه.. ولا سلوك بغير علم
التصوف، أحد المسارات الروحية التي ظهرت في سياق تطور الفكر الإسلامي.
المزيد »
"إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا"
تتحدث آيات كثيرة في القرآن الكريم عن مصير الإنسان يوم القيامة، فتبيّن حال المؤمنين وما أُعدّ لهم من النعيم،...
المزيد »
تحريم الاختلاط
يُعد فقه المقاصد من أهم علوم الشريعة الإسلامية، حيث يُعنى ببيان حكم الأحكام في ضوء الغايات الكلية لل...
المزيد »
مسروق بن الأجدع
مسروق بن الأجدع الوادعي الهمداني أحد كبار التابعين والمحدثين وأئمة الفقه في صدر الإسلام، نشأ في المدينة...
المزيد »
الخطاب الديني والشباب
يعيش الشباب اليوم في بيئة مشبعة بالمعلومات والتساؤلات، ما بين وسائل التواصل الاجتماعي وتعدد المرجعيات...
المزيد »
وأنت يا أبا عمر ممن يُشنع علينا
شهدت إحدى معارك المسلمين مع الروم موقفًا مؤثرًا بطلُه عبد الله بن المبارك، أحد أعلام التابعين.
المزيد »
أنواع المياه من حيث صلاحيتها للطهارة
الطهارة ركن أساسي في الإسلام، وهي شرط لصحة الصلاة وسائر العبادات.
المزيد »
أحكام الإدغام .. سلاسة النطق وتناسق الإيقاع
يُعد الإدغام من الفنون الدقيقة في التلاوة، فالإدغام لا يقتصر على الإدخال الصوتي للحروف فحسب، بل هو أداة...
المزيد »
المدارس الدعوية.. تنوع المناهج ووحدة الهدف
شهد العالم الإسلامي منذ القرن التاسع عشر بروز عدد من مدارس الدعوة الإسلامية الحديثة، والتي اختلفت في...
المزيد »
مشاهد مؤثرة من فتح مكة.. "اذهبوا فأنتم الطلقاء"
شهد فتح مكة لحظات تاريخية عظيمة ومؤثرة، أبرزها مشهد عفو النبي محمد صلي الله عليه وسلم، عن أهل مكة، بعد...
المزيد »
فتح مكة: الأسباب.. الأحداث.. والتداعيات
يُعد فتح مكة حدثًا مفصليًا في التاريخ الإسلامي، وقع في العام الثامن للهجرة . رمضان 8 هـ / يناير 630...
المزيد »
علم الرجال: ضوابط دقيقة لحماية السنة النبوية
يُعد علم الرجال، من أهم العلوم التي خدم بها علماء المسلمين السنة النبوية.
المزيد »
الشريعة الإسلامية.. منظومة ربانية خالدة
يثير بعض المستشرقين، شبهات حول مدى صلاحية الشريعة الإسلامية للتطبيق في العصر الحديث، زاعمين أنها لا تواكب...
المزيد »
تعرف على مكروهات الصلاة حتى لا ينقص أجرك
الصلاة هي عماد الدين، وأحب الأعمال إلى الله، ولذا حرص الإسلام على إقامتها بأكمل وجه، ظاهرًا وباطنًا.
المزيد »
تجديد الوعي.. بين فقه المواطنة وقيم العيش المشترك
تشهد المجتمعات الحديثة تصاعدا متناميا للتحديات الفكرية والاجتماعية، تبرز الحاجة الملحة إلى خطاب ديني...
المزيد »

تواصل معنا

شـــــارك