بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

تُرَاوِدُ فَتَاهَا
في قوله تعالى :”تراود فتاها عن نفسه”، يصوّر لنا الله تعالى كيف يمكن للفتنة أن تُخفى ثم تنكشف، وللمكر أن يُحاك ثم يُفضح، وللكلمة أن تفضح المستور وتُبدي ما يُدار في الظل. ومن ذلك قوله تعالى:”وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ”. سورة يوسف: 30.
ففي هذه الآية تتحدث نسوة المدينة عن فضيحة اجتماعية مدوّية تمسّ بيتًا من بيوت الحكم والجاه، وتتعلق بشخصية مرموقة هي امرأة العزيز، ومحورها هو النبي يوسف عليه السلام، الذي وُصف في الآية بـ”فتاها”.
المعنى اللغوي لـ “تُرَاوِدُ”
الفعل “راود” في اللغة يأتي من المراودة، وهي المداولة في الطلب بإلحاح وتكرار، مع محاولات الإغراء أو الإقناع.
و”تُرَاوِدُه عن نفسه” تعني: تحاول استمالته وإغراؤه مرارًا وتكرارًا لينصاع لرغبتها المحرّمة.
وقد استخدم القرآن هذا التعبير بدقة ليُظهر أن هذا لم يكن موقفًا عابرًا أو نزوة طارئة، بل كان إلحاحًا وإصرارًا خفيًا ومستمراً من امرأة العزيز نحو يوسف.
دلالات الآية وأبعادها
الفضيحة الاجتماعية وكشف المستور: خروج خبر امرأة العزيز إلى نساء المدينة دليل على أن المعصية مهما خُبّئت فإنها تنكشف، وأن حديث الناس لا يرحم أصحاب الفتن.
اختلال الميزان الأخلاقي: من المفترض أن تكون امرأة العزيز في موقع حماية ورعاية، لكنها أصبحت هي من تراود وتطلب، في انعكاس للقيم وتبدّل للأدوار.
التحذير من فتنة النساء والسمعة: الآية تُبرز كيف أن الفتنة لا تقتصر على الفعل وحده، بل تمتد إلى السمعة التي تُتداول في المجالس.
بلاغة التعبير القرآني: استخدام كلمة “تُرَاوِد” بدلاً من “طلبت” أو “رغبت” يكشف عمق الكيد الأنثوي والنية المبيّتة، حيث تُشير إلى تدرّج وإصرار في المحاولة، لا مجرد لحظة ضعف.
وصف يوسف بـ”فتاها”: رغم أنه نبي شريف، أُسند إليه في السياق لقب العبد أو الخادم في بيت العزيز، لتبيان الفارق في المكانة الاجتماعية، وزيادة الإعجاب بثباته وعفته.
وعليه.. فهذه الآية ليست مجرد تصوير لحادثة بل تُشكّل درسًا أخلاقيًا وتربويًا وبليغًا، تُحذّر من فتنة النساء، وتُبرز كيف أن النية الفاسدة تنكشف ولو بعد حين، وتُظهر أيضًا كيف يُختبر الصالحون في مواضع الفتنة.
روابط وكلمات مفتاحية
- كلمات مفتاحية | إمرأة العزيز, النبي يوسف, تراود فتاها, يوسف